صفية بنت عبد المطلب
صفحة 1 من اصل 1
صفية بنت عبد المطلب
صفية أول امرأة مسلمة قَتَلت مشركاً دفاعاً عن دينِ الله
* مَن هذه السيدة الجَزلة الرَّزانُ ( الأصيلة الرأي والرصينة الرزينة ) التي كان يَحسُبُ لها الرجالُ ألفَ حساب؟
- من هذه الصحابية الباسِلة التي كانت أولَ امرأةٍ قتلت مشركاً في الإسلام؟.
- من هذه المرأة الحازمة التي أنشأت للمسلمين أول فارسٍ سَلَّ سيفاً في سبيل الله؟.
- إنها صَفِية بنتُ عبدِ المُطلب الهاشِمية القرشِية عَمة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
* * *
- اِكتنفَ المجدُ صفية بنتَ عبد المطلبِ من كلِّ جانب: فأبوها، عبدُ المطلب بنُ هاشمٍ جدُّ النبيِّ وزعيمُ قريشٍ وسيِّدُها المطاعُ، وأمُّها هالة بنتُ وهبٍ أختُ آمنةَ بنتِ وهبٍ والدةِ الرسول صلى الله عليه وسلم.
وزوجُها الأولُ، الحارث بن حربٍ أخو أبي سُفيان بنِ حربٍ زعيمِ بني أمية، وقد توفيَ عنها.
وزوجُها الثاني، العوَّامُ بنُ خويلدٍ أخو خديجة بنتِ خويلدِ سيِّدة نساءِ العرب في الجاهلية، وأولى أمهاتِ المؤمنين في الإسلام.
وابنها، الزبيرُ بن العوَّام حَواريُّ رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أفبعدَ هذا الشرف شرفٌ تطمحُ إليه النفوسُ غير شرف الإيمان؟!
* * *
- لقد توفي عنها زوجُها العوامُ بنُ خويلدٍ وترك لها طفلاً صغيراً هو ابنها " الزبير " فنشأته على الخشونةِ والبأسِ، وربته على الفروسيَّةِ والحربِ، وجَعلت لعبه في بريِ السهامِ وإصلاحِ القسيِّ.
ودأبت على أن تقذفه في كل مَخوفةٍ ( موقف يخاف منه )، وتقحِمه ( تدفعه وتدخله ) في كل خطرٍ، فإذا رأته أحجَم أو تردَّد ضربته ضرباً مُبرحاً، حتى إنها عوتِبت في ذلك من قِبلِ أحدِ أعمامِه حيث قال لها: ما هكذا يُضرب الولدُ... إنكِ تضربينه ضربَ مُبغضةٍ لا ضرب أم فارتجزت ( قالت شعراً على بحر الرجز )
قائلةَ: من قال قدْ أبغضته فقد كذبْ
وإنما أضرِبُهُ لكيْ يَلبْ ( يصبح لبيباً أي الذكي العاقل )
ويهزِمَ الجيشَ ويأتي بالسَّلب.
* * *
- ولما بَعث الله نبيهُ بدين الهُدى والحقِّ، وأرسلهُ نذيراً وبشيراً للناس، وأمَرَه بأن يَبدأ بذوي قرباهُ جَمعَ بني عبدِ المُطلبِ: نساءَهم ورجالهم وكِبارَهم وصغارهم، وخاطبهم قائلاً يا فاطمة بنتُ محمد، يا صَفية بنتُ عبدِ المُطلبِ، يا بني عبدِ المُطلبِ، إني لا أملكُ لكم من الله شيئاً ).
ثم دعاهم إلى الإيمانِ بالله، وحَضهُم على التصديقِ برسالته...
فأقبلَ على النور الإلهي منهم منْ أقبلَ، وأعرَض عن سَناه ( ضياؤه ) من أعرَضَ، فكانت صَفية بنتُ عبد المطلب في الرَّعيلِ ( الفوج ) الأول من المؤمنين المُصدِّقين...
عند ذلك جمعت صَفية المجدَ من أطرافه: سؤدَدَ الحسبِ، وعِزَّ الإسلام.
* * *
- انضمَّت صفية بنتُ عبد المُطلبِ إلى موكبِ النورِ هي وفتاها الزبيرُ بنُ العوّامِ، وعانتْ ما عاناه المُسلمون السابقون من بأسِ قريشٍ وعَنتها و طغيانِها.
فلما أذن الله لنبيًّه والمؤمنين معهُ بالهجرةِ إلى المدينةِ خلفت السيدة الهاشميَّة وراءَها مكة بكلِّ ما لها فيها من طيوب الذكرياتِ، وضُروب المفاخرِ والمآثر، ويَممتْ وجهها شطر المدينة، مُهاجرة بدينها إلى الله ورسوله.
* * *
- وعلى الرغمِ من أن السيدة العظيمة كانتْ يومئذٍ تخطو الستين من عمرها المديد الحافلِ، فقد كان لها في ميادينِ الجهادِ مواقفُ ما يزالُ يذكرُها التاريخ بلسانٍ نديّ بالإعجاب رطيب بالثناء، وحسبُنا من هذه المواقف مَشهدان اثنان: كان أولهما يوم أحدٍ وثانيهما يومَ الخندَق.
* * *
- أما ما كان منها في أحد أنها خرجت مع جندِ المسلمين في ثلةٍ ( طائفة ) من النساءِ جهاداً في سبيلِ الله.
فجعلت تنقلُ الماء، وتروِي العِطاش، وتبري السِّهام، وتصلحُ القِسيَّ ( جمع قوس وهو آلة من آلات الحرب يرمى بها بالسهام ).
وكان لها مع ذلك غرضٌ آخرُ هو أن ترقبَ المعرَكة بمشاعرِها كلها...
ولا غروَ ( لا عجب ) فقد كان في ساحتِها ابنُ أخيها محمدٌ رسول الله صلى الله عليه وسلم ...
وأخوها حمزة بنُ عبد المطلب أسدُ الله....
وابنُها الزبيرُ بنُ العوام حواريُّ ( الناصر، وحواريو الرسل الخاصة من أنصارهم ) نبيِّ الله ...
وفي المعركة قبلَ ذلك كلهِ وفوق ذلك كله مصيرُ الإسلامِ الذي اعتنقتهُ راغبة... وهاجـرت في سبيله مُحتسبة...
وأبصرَت من خلالِه طريق الجنة.
* * *
- ولما رأتِ المسلمين ينكشفون ( يتفرقون ) عن رسول الله إلا قليلاً منهم...
ووجدت المشركين يوشكون أنْ يَصِلوا إلى النبي ويقضوا عليه؛ طرحتْ سِقاءها أرضاً..
وهبَّت كاللبؤة ( أنثى الأسد ) التي هوجمَ أشبالها وانتزعتْ من يد أحد المنهزمين رمحه، ومَضت تشقُ به الصفوفَ، وتضربُ بسنانِه الوجوه، وتزأرُ في المسلمين قائلة: وَيحكمْ، انهزمتم عن رسول الله؟!!
فلما رآها النبيُّ عليه الصلاة والسلام مُقبلةً خشيَ عليها أن ترى أخاها حمزة وهو صريعٌ، وقد مثلَ به المُشركون أبشعَ تمثيل فأشار إلى ابنِها الزبير قائلاً المرأة يا زبيرُ.... المرأة يا زبيرُ...).
فأقبل عليها الزبيرُ وقال: يا أمَّه إليك... إليك يا أمَّه ( ابتعدي يا أماه ).
فقالت: تنحَّ لا أمَّ لك.
فقال: إنّ رسول الله يأمُرُك أن ترجعي...
فقالت: ولم؟! إنهُ قد بلغني أنه مُثلَ بأخي، وذلك في الله...
فقال له الرسول: ( خلِّ سَبيلها يا زبيرُ )؛ فخلى سبيلها.
* * *
- ولما وَضعتِ المعركة أوزارَها وقفتْ صَفية على أخيها حَمزة فوجدته قد بُقرَ بطنهُ ( شق بطنه )، وأخرِجتْ كبدُه، وجُدع أنفهُ ( قطع أنفه )، وصُلِمت أذناه ( قطعت أذناه )، وشوِّه وجهه، فاستغفرتْ له، وجَعلتْ تقول: إنَّ ذلك في الله...
لقد رضيتُ بقضاء الله.
والله لأصْبرنَّ، ولأحتسبنَّ ( أي لأجعلن ذلك المصاب في الله لأطلبن الأجر عليه منه ) إن شاء الله.
* * *
- كانت مَوقفَ صَفية بنتِ عبد المُطلب يومَ أحُدٍ...
أما موقفها يومَ الخندقِ فله قصةٌ مثيرةٌ سدَاها الدَّهاءُ والذكاءُ ولحمتها ( الخيوط الطولية للنسيج واللحمة الخيوط العرضية ) البسالة والحزمُ....
فإليك خبرَهَا كما وَعتهُ كتبُ التاريخ.
* * *
- لقد كان من عادةِ رسول الله صلى الله عليه سلم إذا عزمَ على غزوةٍ من الغزواتِ أن يَضعَ النساء والذراريَ في الحُصون خشية أن يغدرَ بالمدينة غادرٌ في غيبةِ حُماتها.
فلما كان يومُ الخندق جَعل نساءهُ وعمَّته وطائفةً من نساءِ المسلمين في حصنٍ لحسان بن ثابتٍ ورثهُ عن آبائه، وكان من أمنعِ حُصون المدينة مناعة وأبعدِها منالا.
وبينما كان المسلمون يرابطون على حوافِّ الخندقِ في مُواجهة قريشٍ وأحلافِها، وقد شغلوا عن النساء والذراري بمُنازلةِ العدوِّ.
أبصرت صَفية بنت عبد المُطلبِ شبحاً يتحرك في عتمةِ الفجرِ، فأرهفتْ له السمعَ، وأحدَّت إليه البصرَ، فإذا هو يهوديٌ أقبل على الحصن، وجعلَ يُطيفُ به مُتحسساً أخبارهُ مُتجسساً على من فيه.
فأدركتْ أنهُ عينٌ ( جاسوس ) لبني قومه جاء ليعلمَ أفي الحصنِ رجالٌ يدافعون عمن فيه أم إنه لا يضُمُ بين جدرانِه غير النساءِ والأطفال.
فقالت في نفسها: إنَّ يهود بني قريظة قد نقضُوا ما بينهُم وبين رسول الله من عهدٍ وظاهروا قريشاً ( أعانوا قريشاً ) وأحلافها على المسلمين.
وليس بيننا وبينهُم أحدٌ من المسلمين يدافع عنا، ورسول الله ومن معهُ مرابطون في نحورِ العدوِّ ( في وجوه العدو وقبالته ).
فإن استطاع عدوّ الله أن ينقلَ إلى قومهِ حقيقة أمرِنا سبى اليهُودُ النساءَ، واسترقوا الذراريَ، وكانت الطامَّة ( المصيبة الكبرى وسميت القيامة طامة لأنها تطم كل شيء ) على المسلمين.
* * *
- عندَ ذلك بادرتْ إلى خِمارها فلفتهُ على رأسها، وعمدتْ إلى ثيابها فشدَّتها على وسطها، وأخذتْ عموداً على عاتقها ( على كتفها )، ونزلت إلى باب الحِصنِ فشقتهُ في أناةٍ وحِذقٍ، وجعلتْ ترقب من خلاله عدُو الله في يقظةٍ وحذرٍ، حتى إذا أيقنتْ أنهُ غدا في موقفٍ يُمكنها منهُ حَملت عليه حملةُ حازمة صارمة، وضرَبتهُ بالعمُودِ على رأسه فطرَحته أرضاً... ثم عززت الضربة الأولى بثانيةٍ وثالثةٍ حتى أجهزت عليه، وأخمَدَت أنفاسه بين جنبيه.
ثم بادرت إليه فاحتزَّت رأسه بسكين كانت معها، وقذفتْ بالرأسِ من أعلى الحِصن، فطفق يَتدحـرجُ على سُفوحِه حتى استقرَّ بين أيدي اليهودِ الذين كانوا يتربصُون ( ينتظرون ويترقبون ) في أسفله.
فلما رأى اليهودُ رأس صاحِبهم؛ قال بَعضهم لِبعضٍ: قد علمنا إنَّ محمداً لم يكن ليتـرُك النساءَ والأطفال من غيرِ حُماةٍ...
ثم عادُوا أدراجهم...
* * *
- رضي الله عن صَفية بنت عبد المطلب.
فقد كانت مثلاً فذاُ لِلمرأة المُسلمةِ.
ربَّت وحيدَها فأحكمتْ تربيته.
وأصيبت بشقيقها فأحسَنتْ الصَّبر عليه.
واختبرتها الشدائدُ فوجدت فيها المرأة الحازمة العاقلة الباسلة...
ثم إنَّ التاريخ كتبَ في أنصعِ صفحاِته: إنَّ صفية بنتَ عبدِ المُطلب كانت أولَ امرأةٍ قتلت مُشركاً في الإسلام.
ريحانة الدار- مديرة المنتدي
- رقم العضوية : 1
عدد المساهمات : 1622
نقاط : 2873
تاريخ التسجيل : 06/03/2011
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى