الشروق تقدم عرضًا لكتاب زمن الخداع للبرادعى
صفحة 1 من اصل 1
الشروق تقدم عرضًا لكتاب زمن الخداع للبرادعى
الشروق تقدم عرضًا لكتاب زمن الخداع للبرادعى
(1)
آخر تحديث: الاحد 8 مايو 2011 2:20 م
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
محمد البرادعى
إلى مايا، حفيدته ذات الأعوام الثلاثة، يهدى
محمد البرادعى، المرشح الرئاسى المصرى والحائز على جائزة نوبل للسلام، كتابه الذى
يحكى فيه قصة 12 عاما أمضاها على رأس الوكالة الدولية للطاقة الذرية، بحثا عن تقويض
انتشار مدمر للسلاح النووى وتخفيض لترسانات نووية قائمة واستخدامات سلمية للطاقة
النووية تسهم فى توليد الطاقة وعلاج السرطان ــ أى بحثا عن عالم أفضل يحلم البرادعى
أن يسوده الأمن من الدمار والسعى للنماء، عالم يريد أن يتركه لهذه الحفيدة وحفيدات
وأحفاد آخرين قد يكونوا له يوما، ولأجيال من الأطفال، من بينهم من يعنى به البرادعى
بنفسه من خلال كفالة أيتام فى مناطق فقيرة فى القاهرة، وبينهم أطفال فى العراق
وإيران وكوريا الشمالية وغيرها يرى البرادعى أنهم يستحقون عالما أفضل.
كتاب البرادعى
نحن فى هذه الحلقات نعرض كتاب البرادعى
الذى صدر قبل أيام، فى نسخته الأصلية باللغة الإنجليزية، وفى نسخته العربية التى
أعدتها وتنشرها دار الشروق، وفى قرابة عشرين لغة أخرى يحمل عنوان «زمن الخداع ــ
محمد البرادعى يروى تجربته فى الوكالة الدولية للطاقة الذرية».
وفى 400 صفحة من
القطع الكبير يستدعى البرادعى ذكريات الأعوام من 1997 حتى 2009 عندما شغل منصب مدير
عام الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ليبوح بما لم يقله من قبل عن علاقته بالولايات
المتحدة الأمريكية، خاصة إدارة الرئيس الأمريكى جورج دبليو بوش، وعن محادثاته مع
قادة إيران، الإصلاحيين منهم والمتشددين، ولقاءاته مع قادة الدول المتقدمة والدول
النامية.
يستدعى البرادعى الذاكرة، فتجود بتفاصيل دقيقة عن عشاء فى بغداد
عشية حرب مدمرة وغير مبررة، بل غير قانونية، ومكتب فى طهران ليس به من الفخامة من
شىء يدخله المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية لإيران ليتحدث عن حق بلاده فى تطوير
التكنولوجيا النووية، ولقاء مع وزير الكهرباء والطاقة المصرى حسن يونس يفصح فيه
البرادعى، بحياد مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية وقلب المواطن المصرين، خشية من
غياب للرؤية فى حديث يبدو حماسيا أكثر مما يبدو واقعيا عن برنامج نووى مصرى، ولقاء
مع أسطورة العناد العسكرى آرييل شارون الذى لا يأبه لشىء سوى لما يراه أمن إسرائيل،
وغرفة بائسة وباردة فى بيونج يانج وخيمة القذافى الشهيرة ــ وقبل هذا وبعده مكتبه
فى مقر الوكالة الدولية للطاقة الذرية بفيينا حيث عقد اجتماعات لا نهائية بحثا عن
تسويات سلمية لخلافات نووية، وأحيانا أيضا منزله الصيفى فى الإسكندرية، حيث كثيرا
ما تخللت إجازته العائلية مكالمات هاتفية من هذا الرئيس أو ذاك، وهذا السفير وذاك،
لمناقشات حول اتفاقات يسعى البرادعى لإبرامها لابعاد شبح المواجهة التى كثيرا ما
تلح على منطقة الشرق الأوسط.
المرواغة
يتحدث
البرادعى بلا تردد عن ضغوط تعرض لها هنا وهناك، مرواغات واجهته وإحباطات توالت
عليه، وعلى لحظات انتصار الدبلوماسية على شبح الحرب ولحظات استمساك بعقيدة الأمن
الانسانى وحق البشرية فى عالم أكثر آمنا ــ وبالتأكيد عن لحظة الحصول على جائزة
نوبل للسلام مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية عام 2005.
فى كتابه «زمن
الخداع» يرفع البرادعى الستار للقارئ عن كواليس السياسة الدولية فى أشد لحظات
التعقيد وأوضح لحظات التآمر، فيسرد بصورة واثقة، لا تخلو من طرافة الحكى، ولكن دوما
بدقة التعبير عن سنوات تنقل فيها بين العراق وإيران وليبيا وكوريا الشمالية
وغيرها.
أروقة صناعة السياسة
الدولية
وكما تشير دار الشروق فى مقدمة الناشر التى تصدر بها النسخة
العربية من «زمن الخداع» فإن البرادعى يتيح لقارئ هذا الكتاب «التعرف على الآلية
المعقدة التى تعمل بها هذه الوكالة والصلاحيات المتاحة لها والمحددات التى تحول دون
تمكنها من تفقد الترسانة النووية لدولة مثل إسرائيل».
قارئ «زمن الخداع»، كما
تضيف مقدمة الناشر، يتسنى له أيضا أن «يدخل أروقة صناعة السياسة الدولية ما بين
فيينا ونيويورك حيث مقر الأمم المتحدة وواشنطن عاصمة السياسة العالمية ليتعرف على
خفايا ملفات تصدرت صفحات الجرائد وأثرت فى حياة الملايين سواء فى العراق أو إيران
أو كوريا الشمالية».
العشاء الأخير فى
بغداد
«كانت ليلة التاسع من فبراير آخر أمسية تقضيها فرق التفتيش
الدولية عن أسلحة الدمار الشامل فى العراق. كانت تلك هى الليلة التى تناولت فيها
عشاء كان الاخير فى بغداد قبل أن تشن الولايات المتحدة الامريكية الحرب على
العراق»، بهذه الكلمات يفتتح البرادعى مقدمة كتابه «زمن الخداع» ليبدأ فى الحكى عن
مائدة العشاء العامرة التى حضر إليها فى أحد أرقى مطاعم العاصمة العربية، بدعوة من
ناجى صبرى وزير خارجية العراق ومجموعة من كبار الخبراء أعضاء فرق التفتيش ومجموعة
من المسئولين العراقيين لحديث يوجز المعضلة المزمنة التى واجهت البرادعى فى كل مرة
كان عليه فيها، بوصفه مديرا عاما للوكالة الدولية للطاقة الذرية، أن يحسم أمر
امتلاك أو عدم امتلاك أى دولة للسلاح النووى أو أسبابه: التباين بين ما يقول به
مسئولو هذه الدولة وبين ما يمكن لهم إثباته من خلال وثائق ووقائع
ومواقع.
ليلة العشاء الأخير فى بغداد، كما يتذكر البرادعى، جلس وهانز بليكس،
المكلف بالكشف عن الأسلحة الكيميائية والبيولوجية التى ادعى الغرب باستمرار حيازة
العراق لها، ليتحدثا إلى المسئولين العراقيين بالقول «إنكم تصرون على ان العراق ليس
لديه أسلحة دمار شامل وتقولون لنا انكم لم تقوموا بإحياء أى من برامجكم السابقة
لأسلحة الدمار الشامل التى تم تدميرها بالفعل ولكننا لا نستطيع اعتبار الأمر منتهيا
قبل ان يكون لدينا ما يثبت ما تقولون».
وعبر صفحات «زمن الخداع» تأتى هذه
الكلمات مرات ومرات، بعبارات مختلفة وفى مدن مختلفة حول العالم، ولكنها دوما كلمات
السعى عن اثبات سلامة مواقف الدول التى يتهمها المجتمع الدولى بالسعى نحو امتلاك
السلاح النووى، أو تلك التى يريد التيقن من خلوها من هذه الأسلحة.
«كان حسام
أمين، المسئول العراقى المكلف بالتعامل مع الامم المتحدة، معنا فى ذلك العشاء
الاخير، وبينما كنت انا وبليكس نتحدث عن ضرورة أن يقدم العراق الدليل الحاسم على
خلو أراضيه من أسلحة الدمار الشامل، انحنى أمين للأمام قليلا ووجه حديثه ونظراته لى
ولبليكس قائلا «دعونا نتحدث بصراحة، نحن لا نستطيع أن نقدم لكم أكثر مما قدمناه
لأنه ليس لدينا أكثر مما قدمناه بالفعل»، حسبما يقول البرادعى فى مقدمة كتابه «زمن
الخداع».
الحرب واقعة لا محالة
ويضيف
البرادعى نقلا عن أمين، بسرد ينطق بالأسى، «ثانيا دعونا نقرر هنا إنه ليس بوسعكما
ان تقوما بأى شىء يخدمنا لأن هذه الحرب واقعة لا محالة وليس هناك شىء يمكن لكما أو
لغيركما ان يقوم به لمنعها، فالحرب مقررة لا محالة».
فى المقدمة ذاتها يتذكر
البرادعى انه لم يتفق مع أمين فيما قال، ولكن وبعد صفحات قليلة، يعود ليروى كيف
بدأت نذر الحرب تتداعى وكيف بدأت الحرب.
«وفى ساعة مبكرة من صباح السابع عشر من
مارس 2003 تلقيت مكالمة من بعثة الولايات المتحدة الأمريكية بفيينا، حيث مقر
الوكالة الدولية للطاقة الذرية، تدعونى للتحرك نحو إنهاء مهمة المفتشيين الدوليين
فى بغداد. كان غزو العراق على وشك أن يبدأ»، يروى البرادعى.
الحرب التى
قادتها الولايات المتحدة الامريكية، والتى يصر البرادعى انها «حطمت حياة الملايين»،
والتى رآها بعض المسئولين العراقيين قادمة لا محالة، اثبتت بعد سنوات، حسبما يشرح
البرادعى فى الفصل الأول من كتابه، ما كان البرادعى يود لو انه استطاع ان يثبته
بصورة جازمة من ان العراق لا يمتلك من الاسلحة النووية شئيا، بل إنه ليس لديه ما
يمكن ان يقيم به برنامجا للتسلح النووى ــ وذلك بالرغم من كل الدعاية الامريكية
المضادة.
منشآت العراق النووية
حديث
البرادعى فى فصله الأول «العراق ــ الجولة الأولى ما بعد المعركة»، يروى قصة الوصول
إلى العشاء الأخير، فيتحدث عن الكثير من تفاصيل علاقة الوكالة الدولية للطاقة
الذرية والعراق فى مرحلة ما بعد انهاء احتلال العراق للكويت بحرب دولية قادتها
الولايات المتحدة الأمريكية، تلك المرة بموافقة من مجلس الامن الدولى حيث لم يكن
«لدى الوكالة الدولية للطاقة الذرية معلومات حول برنامجها النووى فى ذلك الحين سوى
ما تم الكشف عنه لمركز ابحاث نووية فى (التويثة) الواقعة على بعد بضعة كيلو مترات
جنوب شرق بغداد».
وفى أعقاب الحرب مباشرة، كما يضيف البرادعى، «تمكن
المفتشون التابعون للوكالة الدولية للطاقة الذرية من الحصول على دلائل على وجود
نشاطات نووية أخرى، خارج نطاق مفاعلى التويثة. ولم يكن العراق قد أخطر الوكالة بهذه
النشاطات. وتعرضت الوكالة للوم لعدم معرفتها بهذه النشاطات من قبل رغم أن مهمتها فى
العراق لم تكن تشمل أى شىء سوى التحقق من أن المنشآت النووية العاملة تستخدم
بالكامل للأغراض السلمية».
الحديث عن اللوم الذى تتعرض له الوكالة من قبل
عواصم العالم لاسباب كثيرا ما تتعلق بأجندات سياسية لدولة أو دول بعينها، أكثر من
كونها متعلقة بأجندة مجابهة انتشار الأسلحة النووية، هو أمر كثيرا ما يتوقف أمامه
البرادعى الذى يبدو لقارئ «زمن الخداع» أنه كثيرا ما شعر بعدم الانصاف جراء ما
تعرضت له الوكالة من نقد لا يرتبط بمدى التزامها بتنفيذ التكليفات الدولية المنوطة
بها قدر ما يرتبط بالدوافع السياسية لهذه الدولة او تلك.
فى حال العراق، كما
يضيف البرادعى فى الفصل الأول، فإن اللوم، فى رأيه، لم يكن مستحقا «لأنه إلى جانب
محدودية الصلاحيات المخولة للوكالة فلم يكن هناك فى ذلك الوقت معلومات مخابراتية
ذات بال على الإطلاق حول البرنامج النووى السرى للعراق».
سياقات نووية
ثم يذهب البرادعى بعيدا قليلا عن الحكى ليشرح
لقارئ زمن الخداع ما لا يعلمه فى الأرجح حول تعبيرات شديدة التعقيد كثيرا ما يقرأها
وهو يتابع ما تنشره الصحف حول العراق وإيران وكوريا الشمالية من حديث عن «دورة
الوقود النووى» و«اليورانيوم» و«التخصيب» و«اتفاقية حظر انتشار الأسلحة النووية»،
ليؤكد أنه «لا يوجد فى المواد الخاصة بنزع التسلح فى هذه الاتفاقية ما يمنح الوكالة
صلاحيات أو آلية واضحة ومحددة للتأكد من التزام الدول بتحقيق التقدم المتوقع فى
مجال المفاوضات من أجل نزع التسلح، كما أنها لا تكلف جهازا أو هيئة ما بالاشراف على
حدوث هذه المفاوضات والتأكد من انها تحقق التقدم المطلوب، بل انها لا تقرر أية
عقوبة على الدول التى لا تلتزم بما هو مقرر فى الاتفاقية حال عدم سعيها للدخول فى
مفاوضات جادة بغرض الوصول إلى مرحلة عدم التسلح»، وبالتالى فلا مبرر للعتب على
الوكالة الدولية للطاقة الذرية فيما يتعلق بما تكشف فى العراق فى أعقاب حرب الخليج
التى وقعت فى عام 1991.
أمريكا
والعراق
وبعد هذا الاستطراد يعود البرادعى لتوالى فصول القصة
العراقية عشية حرب 2003 التى شنتها الولايات المتحدة الامريكية وبريطانيا وبعض من
الحلفاء لهما دون تفويض من مجلس الأمن ليقول «لقد أشارت الولايات المتحدة الأمريكية
إلى الطموحات النووية الناشئة لدى بغداد كأحد اسباب القيام بعمل عسكرى ضد العراق،
فى حين انه لم يكن هناك الكثير من المعلومات عن حقيقة القدرات النووية للعراق قبل
هذه الحرب. وإن كان لدى بعض قطاعات الاستخبارات الامريكية افتراض بأن العراق لديه
طموحات لتصنيع السلاح النووى ــ وذلك بناء على جملة من الدلائل من بينها محاولة
العراق الحصول على المكونات اللازمة لاجراء عملية التخصيب النووى وغيرها من القدرات
التكنولوجية النووية وذلك من خلال عدد من الدول الأوروبية. غير أن الوكالة الدولية
للطاقة النووية لم تتلق أية إفادة بهذه المعلومات».
ويضيف البرادعى أنه «فى
الشهرين السابقين على الحرب قامت العديد من وسائل الإعلام بنشر واسع لتقارير غير
موثقة حول قدرات نووية بعينها قالت ان العراق يمتلكها» دون ان تتمكن الوكالة من
اثبات صحة هذه الادعاءات، بل انها فى بعض الاحيان وكما يطالع قارئ «زمن الخداع»
قامت بدحض هذه الادعاءات.
التفتيش فى
العراق
فى فصله الأول «العراق ــ الجولة الأولى ما بعد المعركة» يذهب
البرادعى مع قارئه لأولى جولات التفتيش على أسلحة العراق فيما بعد حرب الخليج
الأولى والتى تمت بمقتضى قرار مجلس الامن 687 والتى تولتها الوكالة الدولية للطاقة
الذرية ــ فى وقت لم يكن البرادعى فيه قد ترأس الوكالة الدولية بعد ــ والآونسكوم
التى كان تكليفها متعلقا بالتفتيش عن الأسلحة الكيمائية والبيولوجية.
«وفى 14
مايو 1991 وصل إلى بغداد أول فرق التفتيش التابعة للوكالة الدولية للطاقة الذرية
تحت رئاسة كبير المفتشين دميتروس بيراكوس، الذى توجه مباشرة إلى موقع التويثة.
وكانت الصورة المأخوذة من الجو قد مهدت للفريق أنه سيكون بصدد مكان تعرض لتدمير
كبير جراء حرب الخليج، وبالفعل فلقد كانت كل مبانى التويثة قد تعرضت للقذف بالقنابل
اثناء الحرب»، يروى البرادعى، مشيرا إلى ان «المهمة الأولى الموكلة للفريق هى وضع
يديه على اليورانيوم عالى التخصيب المخصص للاستخدام فى المفاعلين المقامين فى
التويثة».
وبحسب شهادة البرادعى فإن «الفريق العراقى المكلف بالتعامل مع
فريق التفتيش الدولى أبدى رغبة حقيقية فى التعاون». ويضيف إن «أعضاء الفريق
اكتشفوا، ولدهشتهم، أن الوقود المشع قد اختفى تحت وطأة القصف الشديد خلال الحرب ــ
أو هكذا قال الفريق العراقى. ولتفادى تدمير الوقود وتشتته، قال العراقيون، إنه تم
بناء حفر أسمنتية على عجالة لينقل إليها هذا الوقود ــ وكان المكان المختار لهذه
الحفر بالقرب من حى جرف النداف فى أراض زراعية لا يوجد بها ما يميزها على وجه
الخصوص».
«وبمعاونة الفريق العراقى»، حسبما يتحدث البرادعى، «تمكن فريق
التفتيش الدولى من إيجاد الأماكن التى تم فيها تخزين الوقود المشع وغير ذلك من
المواد النووية ذات الصلة لتبدأ عملية التحقق بناء على المعلومات المتاحة للوكالة
الدولية من قبل العراق قبل نشوب الحرب».
ويستفيض البرادعى فى توصيف ما قام
به المفتشون فى العراق والعقوبات التى واجهوها وأيضا المشكلات التى تسبب فيها مفتشو
الآونسكوم ــ دون أن يخلو الأمر من مقارنة بين مفتشى الوكالة الدولية للطاقة الذرية
ومفتشو الآونسكوم ــ وإلى اتهامات تم توجيهها لبعض المفتشين بالتعامل مع بعض أجهزة
المخابرات بعيدا عن سياق التزاماتهم.
ويتذكر البرادعى أحد مشاهد زيارات
المفتشين لأحد المواقع فى وسط الصحراء، حيث كان العراقيون يطلعونهم على جهاز لفصل
النظائر تم تدميره وتخبئته بحيث لا يمكن العثور عليه.
«وكان الجو شديد
الحرارة، كما هو الحال بالنسبة لأيام الصيف فى العراق، وكان واضحا أن المفتشين
المكلفين بقياس وكتابة تقارير عن تلك الكتل الضخمة من المعدن بصدد مهمة شديدة
القسوة بالنسبة لتأثير الحرارة المرتفعة جدا. وبصورة مفاجئة قرر ديفيد كاى ــ
الموظف السابق فى الوكالة الدولية للطاقة الذرية كان فى درجة وظيفية متوسطة وكان من
أعضاء فريق المعاونة الفنية لم يكن لديه خبرة تذكر فى عمليات التفتيش ــ ان يتم
استجواب احد العلماء العراقيين رفيعى المستوى مباشرة وفى الموقع. ورفع كاى ذراعه
بصورة مسرحية قائلا «فليبدأ الاستجواب» وهو الأمر الذى تسبب فى إحراجى وإحراج
بليكس».
كما يتحدث البرادعى عن التبعات التى وقعت عليه شخصيا وحملة التشهير
التى تم توجيهها إليه جراء محاولته التأكيد علنا على أهمية حسن العلاقة بين
المفتشين وبين المسئولين فى الدولة الواقعة تحت التفتيش وعدم إهانة هؤلاء واحترام
ثقافتهم.
ثم يروى البرادعى تفاصيل لبعض ما كان من الخلافات الدائرة بين
المفتشين والمسئولين العراقيين، ويقول «العراقيون كان يصرون على انكار وجود برنامج
سرى للتخصيب، وبالتالى كان من المهم تعقب الاجهزة المستخدمة بوصفها الدليل على حدوث
عمليات تخصيب غير معلنة. وبالتالى فمنذ البداية تحولت الجولة الثانية للتفتيش
لعملية مطاردة، حيث قال العراقيون إن المكان الأصلى الذى تم فيه اكتشاف الاسطوانات
المعدنية، المفترض أنها كانت تستخدم فى إطار عملية التخصيب، هو مكان عسكرى لا يسمح
لمفتشى الوكالة بالدخول إليه عند وصولهم، حسب الاتفاق المسبق، وهو ما اضطر الوكالة
إلى التخاطب مع قيادات عراقية أرفع وبالتالى بعد ثلاثة أيام تم السماح للمفتشين
بدخول الموقع ليكتشفوا ان المعدات قد اختفت».
ويشرح البرادعى أن عمليات
التفتيش فى العراق كانت تتم على ثلاث مسارات متوازية. الأول، بحسب حديث البرادعى،
كان يهدف لتوضيح المعلومات المتاحة حول برنامج التسلح النووى العراقى، والثانى كان
التمهيد لإخلاء العراق من اليورانيوم شديد التخصيب والثالث فقد تركز على تفكيك
معددات التخصيب.
ويقول إنه «بعد قرابة عام من العمل على الارض فى العراق كان
يمكن القول ان ما جاء به القرار 697 كان قيد التنفيذ بصورة جيدة».
إسرائيل والعراق
وفى معرض حديثه عن البرنامج النووى
العراقى يتذكر البرادعى أمرا يعود لمطلع الثمانينيات عندما وجهت إسرائيل ضربة
عسكرية لمفاعل عراقى نووى فى ذلك الوقت ــ دون أن يكون لتلك الضربة تبعات تذكر
بالنسبة لإسرائيل. ويقول «ولم يتبع قيام مجلس الأمن بإدانة التصرف الإسرائيلى بوصفه
خرقا للقانون الدولى بأية تبعات من أى نوع. بل إن اسرائيل تكاد تكون قد تجاهلت مطلب
مجلس الأمن بتقديم التعويض للعراق وبأن تقوم بوضع منشآتها النووية تحت مظلة
الضمانات للوكالة الدولية للطاقة الذرية». وبالتالى، كما يضيف البرادعى فى الفصل
الأول من كتابه «زمن الخداع» كان قرار صدام حسين بأن «يتعامل مع هذه المشكلة بنفسه
ــ وكانت النتائج ما رأيناه بعد ذلك» من محاولة سرية لتطوير برنامج لأسلحة الدمار
الشامل كشفت عنه حرب الخليج التى وقعت فى 1991.
ويقر البرادعى بلغة تجمع بين
الأسف والتفهم بأن التباين فى التعامل الدولى مع مجرد ادعاء بامتلاك العراق للسلاح
النووى وصمت المجتمع الدولى عن سياسة الغموض النووى التى تتبعها إسرائيل هو أمر
يلقى الرأى العام العربى بلائمته على الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
ويقول
مع نهاية الفصل الأول من كتابه «وعندما بدأت بزيارة الدول العربية بوصفى مدير عام
الوكالة كنت كثيرا ما أستمع لانتقادات موجهة للوكالة لعجزها عن «القيام بشىء ما»
إزاء برنامج إسرائيل النووى». ويضيف أنه كثيرا ما كرر لمحدثيه فى العالم العربى أن
الوكالة ليس لها الحق فى تفتيش منشآت إسرائيل النووية لأن إسرائيل وإن كانت عضوا فى
الوكالة فهى لم تقم بالانضمام إلى اتفاقية حظر انتشار الأسلحة كما انها ليست ملتزمة
بمظلة الضمانات التى تقررها الوكالة، ومع ذلك يقر بأن «هذا الحديث لم يكن ليريح
الرأى العام الناقم فى العالم العربى والذى كان يصر على أن الوكالة منحازة لصالح
إسرائيل ولا تقوم بمهماتها على الوجه الأكمل».
مصر
والعرب والعراق
ولكن ما قد يثير أسى القارئ العربى هو ما يطالعه من
تفاصيل وتقييم موقف يطرحه البرادعى حول موقف القاهرة والدول العربية إجمالا فى
التعاطى مع تطورات الحرب على العراق، حيث يذكر «زمن الخداع» القارئ بقمة شرم الشيخ
التى استضافتها مصر قبيل شن الحرب الأمريكية على العراق وعجز الدول العربية، أو
ربما عدم رغبتهم فى ذلك ــ كما يلمح البرادعى ــ اتخاذ المبادرات أو المواقف
السياسية التى تتيح درء الحرب ولو من خلال تبنى مبادرة الإمارات العربية الداعية
لتنحى صدام حسين ومنحه اللجوء فى الإمارات ذاتها لإعفاء شعب العراق من مصير أليم
بدا مقتربا فى الأفق.
ويقول البرادعى «وفى بداية عمليات التفتيش التقيت
الرئيس المصرى حسنى مبارك الذى كان باديا أنه يبغض صدام حسين بصورة شخصية، حيث
أخبرنى بأن الرئيس العراقى خدعه أثناء حرب الخليج الاولى بعد أن قام بغزو الكويت
بالرغم من التعهد الذى أبداه للرئيس المصرى بعد القيام بذلك».
ثم يضيف إنه
فى حديث لاحق، حول العراق، طالب البرادعى من مبارك التدخل لدى صدام لتسهيل عمليات
التفتيش لإبعاد شبح المواجهة عن العراق، «وأخبرنى مبارك بأنه تلقى رسالة من صدام
حسين فى هذا الصدد وأنه ليست هناك مدعاة للقلق وأن كل شىء سيكون على ما يرام، وفى
ذات الحديث أخبرنى مبارك بأن «صدام حسين لديه أسلحة بيولوجية وأنه يقوم بإخفائها فى
المقابر» وكانت تلك أول وآخر مرة أسمع فيها هذه الشائعة» التى لم تعد إلا بعد سنوات
من الحرب عن العراق عندما ذكرها الرئيس الأمريكى السابق بوش فى مذكراته عن تلك
الحرب.
(1)
آخر تحديث: الاحد 8 مايو 2011 2:20 م
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
محمد البرادعى
إلى مايا، حفيدته ذات الأعوام الثلاثة، يهدى
محمد البرادعى، المرشح الرئاسى المصرى والحائز على جائزة نوبل للسلام، كتابه الذى
يحكى فيه قصة 12 عاما أمضاها على رأس الوكالة الدولية للطاقة الذرية، بحثا عن تقويض
انتشار مدمر للسلاح النووى وتخفيض لترسانات نووية قائمة واستخدامات سلمية للطاقة
النووية تسهم فى توليد الطاقة وعلاج السرطان ــ أى بحثا عن عالم أفضل يحلم البرادعى
أن يسوده الأمن من الدمار والسعى للنماء، عالم يريد أن يتركه لهذه الحفيدة وحفيدات
وأحفاد آخرين قد يكونوا له يوما، ولأجيال من الأطفال، من بينهم من يعنى به البرادعى
بنفسه من خلال كفالة أيتام فى مناطق فقيرة فى القاهرة، وبينهم أطفال فى العراق
وإيران وكوريا الشمالية وغيرها يرى البرادعى أنهم يستحقون عالما أفضل.
كتاب البرادعى
نحن فى هذه الحلقات نعرض كتاب البرادعى
الذى صدر قبل أيام، فى نسخته الأصلية باللغة الإنجليزية، وفى نسخته العربية التى
أعدتها وتنشرها دار الشروق، وفى قرابة عشرين لغة أخرى يحمل عنوان «زمن الخداع ــ
محمد البرادعى يروى تجربته فى الوكالة الدولية للطاقة الذرية».
وفى 400 صفحة من
القطع الكبير يستدعى البرادعى ذكريات الأعوام من 1997 حتى 2009 عندما شغل منصب مدير
عام الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ليبوح بما لم يقله من قبل عن علاقته بالولايات
المتحدة الأمريكية، خاصة إدارة الرئيس الأمريكى جورج دبليو بوش، وعن محادثاته مع
قادة إيران، الإصلاحيين منهم والمتشددين، ولقاءاته مع قادة الدول المتقدمة والدول
النامية.
يستدعى البرادعى الذاكرة، فتجود بتفاصيل دقيقة عن عشاء فى بغداد
عشية حرب مدمرة وغير مبررة، بل غير قانونية، ومكتب فى طهران ليس به من الفخامة من
شىء يدخله المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية لإيران ليتحدث عن حق بلاده فى تطوير
التكنولوجيا النووية، ولقاء مع وزير الكهرباء والطاقة المصرى حسن يونس يفصح فيه
البرادعى، بحياد مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية وقلب المواطن المصرين، خشية من
غياب للرؤية فى حديث يبدو حماسيا أكثر مما يبدو واقعيا عن برنامج نووى مصرى، ولقاء
مع أسطورة العناد العسكرى آرييل شارون الذى لا يأبه لشىء سوى لما يراه أمن إسرائيل،
وغرفة بائسة وباردة فى بيونج يانج وخيمة القذافى الشهيرة ــ وقبل هذا وبعده مكتبه
فى مقر الوكالة الدولية للطاقة الذرية بفيينا حيث عقد اجتماعات لا نهائية بحثا عن
تسويات سلمية لخلافات نووية، وأحيانا أيضا منزله الصيفى فى الإسكندرية، حيث كثيرا
ما تخللت إجازته العائلية مكالمات هاتفية من هذا الرئيس أو ذاك، وهذا السفير وذاك،
لمناقشات حول اتفاقات يسعى البرادعى لإبرامها لابعاد شبح المواجهة التى كثيرا ما
تلح على منطقة الشرق الأوسط.
المرواغة
يتحدث
البرادعى بلا تردد عن ضغوط تعرض لها هنا وهناك، مرواغات واجهته وإحباطات توالت
عليه، وعلى لحظات انتصار الدبلوماسية على شبح الحرب ولحظات استمساك بعقيدة الأمن
الانسانى وحق البشرية فى عالم أكثر آمنا ــ وبالتأكيد عن لحظة الحصول على جائزة
نوبل للسلام مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية عام 2005.
فى كتابه «زمن
الخداع» يرفع البرادعى الستار للقارئ عن كواليس السياسة الدولية فى أشد لحظات
التعقيد وأوضح لحظات التآمر، فيسرد بصورة واثقة، لا تخلو من طرافة الحكى، ولكن دوما
بدقة التعبير عن سنوات تنقل فيها بين العراق وإيران وليبيا وكوريا الشمالية
وغيرها.
أروقة صناعة السياسة
الدولية
وكما تشير دار الشروق فى مقدمة الناشر التى تصدر بها النسخة
العربية من «زمن الخداع» فإن البرادعى يتيح لقارئ هذا الكتاب «التعرف على الآلية
المعقدة التى تعمل بها هذه الوكالة والصلاحيات المتاحة لها والمحددات التى تحول دون
تمكنها من تفقد الترسانة النووية لدولة مثل إسرائيل».
قارئ «زمن الخداع»، كما
تضيف مقدمة الناشر، يتسنى له أيضا أن «يدخل أروقة صناعة السياسة الدولية ما بين
فيينا ونيويورك حيث مقر الأمم المتحدة وواشنطن عاصمة السياسة العالمية ليتعرف على
خفايا ملفات تصدرت صفحات الجرائد وأثرت فى حياة الملايين سواء فى العراق أو إيران
أو كوريا الشمالية».
العشاء الأخير فى
بغداد
«كانت ليلة التاسع من فبراير آخر أمسية تقضيها فرق التفتيش
الدولية عن أسلحة الدمار الشامل فى العراق. كانت تلك هى الليلة التى تناولت فيها
عشاء كان الاخير فى بغداد قبل أن تشن الولايات المتحدة الامريكية الحرب على
العراق»، بهذه الكلمات يفتتح البرادعى مقدمة كتابه «زمن الخداع» ليبدأ فى الحكى عن
مائدة العشاء العامرة التى حضر إليها فى أحد أرقى مطاعم العاصمة العربية، بدعوة من
ناجى صبرى وزير خارجية العراق ومجموعة من كبار الخبراء أعضاء فرق التفتيش ومجموعة
من المسئولين العراقيين لحديث يوجز المعضلة المزمنة التى واجهت البرادعى فى كل مرة
كان عليه فيها، بوصفه مديرا عاما للوكالة الدولية للطاقة الذرية، أن يحسم أمر
امتلاك أو عدم امتلاك أى دولة للسلاح النووى أو أسبابه: التباين بين ما يقول به
مسئولو هذه الدولة وبين ما يمكن لهم إثباته من خلال وثائق ووقائع
ومواقع.
ليلة العشاء الأخير فى بغداد، كما يتذكر البرادعى، جلس وهانز بليكس،
المكلف بالكشف عن الأسلحة الكيميائية والبيولوجية التى ادعى الغرب باستمرار حيازة
العراق لها، ليتحدثا إلى المسئولين العراقيين بالقول «إنكم تصرون على ان العراق ليس
لديه أسلحة دمار شامل وتقولون لنا انكم لم تقوموا بإحياء أى من برامجكم السابقة
لأسلحة الدمار الشامل التى تم تدميرها بالفعل ولكننا لا نستطيع اعتبار الأمر منتهيا
قبل ان يكون لدينا ما يثبت ما تقولون».
وعبر صفحات «زمن الخداع» تأتى هذه
الكلمات مرات ومرات، بعبارات مختلفة وفى مدن مختلفة حول العالم، ولكنها دوما كلمات
السعى عن اثبات سلامة مواقف الدول التى يتهمها المجتمع الدولى بالسعى نحو امتلاك
السلاح النووى، أو تلك التى يريد التيقن من خلوها من هذه الأسلحة.
«كان حسام
أمين، المسئول العراقى المكلف بالتعامل مع الامم المتحدة، معنا فى ذلك العشاء
الاخير، وبينما كنت انا وبليكس نتحدث عن ضرورة أن يقدم العراق الدليل الحاسم على
خلو أراضيه من أسلحة الدمار الشامل، انحنى أمين للأمام قليلا ووجه حديثه ونظراته لى
ولبليكس قائلا «دعونا نتحدث بصراحة، نحن لا نستطيع أن نقدم لكم أكثر مما قدمناه
لأنه ليس لدينا أكثر مما قدمناه بالفعل»، حسبما يقول البرادعى فى مقدمة كتابه «زمن
الخداع».
الحرب واقعة لا محالة
ويضيف
البرادعى نقلا عن أمين، بسرد ينطق بالأسى، «ثانيا دعونا نقرر هنا إنه ليس بوسعكما
ان تقوما بأى شىء يخدمنا لأن هذه الحرب واقعة لا محالة وليس هناك شىء يمكن لكما أو
لغيركما ان يقوم به لمنعها، فالحرب مقررة لا محالة».
فى المقدمة ذاتها يتذكر
البرادعى انه لم يتفق مع أمين فيما قال، ولكن وبعد صفحات قليلة، يعود ليروى كيف
بدأت نذر الحرب تتداعى وكيف بدأت الحرب.
«وفى ساعة مبكرة من صباح السابع عشر من
مارس 2003 تلقيت مكالمة من بعثة الولايات المتحدة الأمريكية بفيينا، حيث مقر
الوكالة الدولية للطاقة الذرية، تدعونى للتحرك نحو إنهاء مهمة المفتشيين الدوليين
فى بغداد. كان غزو العراق على وشك أن يبدأ»، يروى البرادعى.
الحرب التى
قادتها الولايات المتحدة الامريكية، والتى يصر البرادعى انها «حطمت حياة الملايين»،
والتى رآها بعض المسئولين العراقيين قادمة لا محالة، اثبتت بعد سنوات، حسبما يشرح
البرادعى فى الفصل الأول من كتابه، ما كان البرادعى يود لو انه استطاع ان يثبته
بصورة جازمة من ان العراق لا يمتلك من الاسلحة النووية شئيا، بل إنه ليس لديه ما
يمكن ان يقيم به برنامجا للتسلح النووى ــ وذلك بالرغم من كل الدعاية الامريكية
المضادة.
منشآت العراق النووية
حديث
البرادعى فى فصله الأول «العراق ــ الجولة الأولى ما بعد المعركة»، يروى قصة الوصول
إلى العشاء الأخير، فيتحدث عن الكثير من تفاصيل علاقة الوكالة الدولية للطاقة
الذرية والعراق فى مرحلة ما بعد انهاء احتلال العراق للكويت بحرب دولية قادتها
الولايات المتحدة الأمريكية، تلك المرة بموافقة من مجلس الامن الدولى حيث لم يكن
«لدى الوكالة الدولية للطاقة الذرية معلومات حول برنامجها النووى فى ذلك الحين سوى
ما تم الكشف عنه لمركز ابحاث نووية فى (التويثة) الواقعة على بعد بضعة كيلو مترات
جنوب شرق بغداد».
وفى أعقاب الحرب مباشرة، كما يضيف البرادعى، «تمكن
المفتشون التابعون للوكالة الدولية للطاقة الذرية من الحصول على دلائل على وجود
نشاطات نووية أخرى، خارج نطاق مفاعلى التويثة. ولم يكن العراق قد أخطر الوكالة بهذه
النشاطات. وتعرضت الوكالة للوم لعدم معرفتها بهذه النشاطات من قبل رغم أن مهمتها فى
العراق لم تكن تشمل أى شىء سوى التحقق من أن المنشآت النووية العاملة تستخدم
بالكامل للأغراض السلمية».
الحديث عن اللوم الذى تتعرض له الوكالة من قبل
عواصم العالم لاسباب كثيرا ما تتعلق بأجندات سياسية لدولة أو دول بعينها، أكثر من
كونها متعلقة بأجندة مجابهة انتشار الأسلحة النووية، هو أمر كثيرا ما يتوقف أمامه
البرادعى الذى يبدو لقارئ «زمن الخداع» أنه كثيرا ما شعر بعدم الانصاف جراء ما
تعرضت له الوكالة من نقد لا يرتبط بمدى التزامها بتنفيذ التكليفات الدولية المنوطة
بها قدر ما يرتبط بالدوافع السياسية لهذه الدولة او تلك.
فى حال العراق، كما
يضيف البرادعى فى الفصل الأول، فإن اللوم، فى رأيه، لم يكن مستحقا «لأنه إلى جانب
محدودية الصلاحيات المخولة للوكالة فلم يكن هناك فى ذلك الوقت معلومات مخابراتية
ذات بال على الإطلاق حول البرنامج النووى السرى للعراق».
سياقات نووية
ثم يذهب البرادعى بعيدا قليلا عن الحكى ليشرح
لقارئ زمن الخداع ما لا يعلمه فى الأرجح حول تعبيرات شديدة التعقيد كثيرا ما يقرأها
وهو يتابع ما تنشره الصحف حول العراق وإيران وكوريا الشمالية من حديث عن «دورة
الوقود النووى» و«اليورانيوم» و«التخصيب» و«اتفاقية حظر انتشار الأسلحة النووية»،
ليؤكد أنه «لا يوجد فى المواد الخاصة بنزع التسلح فى هذه الاتفاقية ما يمنح الوكالة
صلاحيات أو آلية واضحة ومحددة للتأكد من التزام الدول بتحقيق التقدم المتوقع فى
مجال المفاوضات من أجل نزع التسلح، كما أنها لا تكلف جهازا أو هيئة ما بالاشراف على
حدوث هذه المفاوضات والتأكد من انها تحقق التقدم المطلوب، بل انها لا تقرر أية
عقوبة على الدول التى لا تلتزم بما هو مقرر فى الاتفاقية حال عدم سعيها للدخول فى
مفاوضات جادة بغرض الوصول إلى مرحلة عدم التسلح»، وبالتالى فلا مبرر للعتب على
الوكالة الدولية للطاقة الذرية فيما يتعلق بما تكشف فى العراق فى أعقاب حرب الخليج
التى وقعت فى عام 1991.
أمريكا
والعراق
وبعد هذا الاستطراد يعود البرادعى لتوالى فصول القصة
العراقية عشية حرب 2003 التى شنتها الولايات المتحدة الامريكية وبريطانيا وبعض من
الحلفاء لهما دون تفويض من مجلس الأمن ليقول «لقد أشارت الولايات المتحدة الأمريكية
إلى الطموحات النووية الناشئة لدى بغداد كأحد اسباب القيام بعمل عسكرى ضد العراق،
فى حين انه لم يكن هناك الكثير من المعلومات عن حقيقة القدرات النووية للعراق قبل
هذه الحرب. وإن كان لدى بعض قطاعات الاستخبارات الامريكية افتراض بأن العراق لديه
طموحات لتصنيع السلاح النووى ــ وذلك بناء على جملة من الدلائل من بينها محاولة
العراق الحصول على المكونات اللازمة لاجراء عملية التخصيب النووى وغيرها من القدرات
التكنولوجية النووية وذلك من خلال عدد من الدول الأوروبية. غير أن الوكالة الدولية
للطاقة النووية لم تتلق أية إفادة بهذه المعلومات».
ويضيف البرادعى أنه «فى
الشهرين السابقين على الحرب قامت العديد من وسائل الإعلام بنشر واسع لتقارير غير
موثقة حول قدرات نووية بعينها قالت ان العراق يمتلكها» دون ان تتمكن الوكالة من
اثبات صحة هذه الادعاءات، بل انها فى بعض الاحيان وكما يطالع قارئ «زمن الخداع»
قامت بدحض هذه الادعاءات.
التفتيش فى
العراق
فى فصله الأول «العراق ــ الجولة الأولى ما بعد المعركة» يذهب
البرادعى مع قارئه لأولى جولات التفتيش على أسلحة العراق فيما بعد حرب الخليج
الأولى والتى تمت بمقتضى قرار مجلس الامن 687 والتى تولتها الوكالة الدولية للطاقة
الذرية ــ فى وقت لم يكن البرادعى فيه قد ترأس الوكالة الدولية بعد ــ والآونسكوم
التى كان تكليفها متعلقا بالتفتيش عن الأسلحة الكيمائية والبيولوجية.
«وفى 14
مايو 1991 وصل إلى بغداد أول فرق التفتيش التابعة للوكالة الدولية للطاقة الذرية
تحت رئاسة كبير المفتشين دميتروس بيراكوس، الذى توجه مباشرة إلى موقع التويثة.
وكانت الصورة المأخوذة من الجو قد مهدت للفريق أنه سيكون بصدد مكان تعرض لتدمير
كبير جراء حرب الخليج، وبالفعل فلقد كانت كل مبانى التويثة قد تعرضت للقذف بالقنابل
اثناء الحرب»، يروى البرادعى، مشيرا إلى ان «المهمة الأولى الموكلة للفريق هى وضع
يديه على اليورانيوم عالى التخصيب المخصص للاستخدام فى المفاعلين المقامين فى
التويثة».
وبحسب شهادة البرادعى فإن «الفريق العراقى المكلف بالتعامل مع
فريق التفتيش الدولى أبدى رغبة حقيقية فى التعاون». ويضيف إن «أعضاء الفريق
اكتشفوا، ولدهشتهم، أن الوقود المشع قد اختفى تحت وطأة القصف الشديد خلال الحرب ــ
أو هكذا قال الفريق العراقى. ولتفادى تدمير الوقود وتشتته، قال العراقيون، إنه تم
بناء حفر أسمنتية على عجالة لينقل إليها هذا الوقود ــ وكان المكان المختار لهذه
الحفر بالقرب من حى جرف النداف فى أراض زراعية لا يوجد بها ما يميزها على وجه
الخصوص».
«وبمعاونة الفريق العراقى»، حسبما يتحدث البرادعى، «تمكن فريق
التفتيش الدولى من إيجاد الأماكن التى تم فيها تخزين الوقود المشع وغير ذلك من
المواد النووية ذات الصلة لتبدأ عملية التحقق بناء على المعلومات المتاحة للوكالة
الدولية من قبل العراق قبل نشوب الحرب».
ويستفيض البرادعى فى توصيف ما قام
به المفتشون فى العراق والعقوبات التى واجهوها وأيضا المشكلات التى تسبب فيها مفتشو
الآونسكوم ــ دون أن يخلو الأمر من مقارنة بين مفتشى الوكالة الدولية للطاقة الذرية
ومفتشو الآونسكوم ــ وإلى اتهامات تم توجيهها لبعض المفتشين بالتعامل مع بعض أجهزة
المخابرات بعيدا عن سياق التزاماتهم.
ويتذكر البرادعى أحد مشاهد زيارات
المفتشين لأحد المواقع فى وسط الصحراء، حيث كان العراقيون يطلعونهم على جهاز لفصل
النظائر تم تدميره وتخبئته بحيث لا يمكن العثور عليه.
«وكان الجو شديد
الحرارة، كما هو الحال بالنسبة لأيام الصيف فى العراق، وكان واضحا أن المفتشين
المكلفين بقياس وكتابة تقارير عن تلك الكتل الضخمة من المعدن بصدد مهمة شديدة
القسوة بالنسبة لتأثير الحرارة المرتفعة جدا. وبصورة مفاجئة قرر ديفيد كاى ــ
الموظف السابق فى الوكالة الدولية للطاقة الذرية كان فى درجة وظيفية متوسطة وكان من
أعضاء فريق المعاونة الفنية لم يكن لديه خبرة تذكر فى عمليات التفتيش ــ ان يتم
استجواب احد العلماء العراقيين رفيعى المستوى مباشرة وفى الموقع. ورفع كاى ذراعه
بصورة مسرحية قائلا «فليبدأ الاستجواب» وهو الأمر الذى تسبب فى إحراجى وإحراج
بليكس».
كما يتحدث البرادعى عن التبعات التى وقعت عليه شخصيا وحملة التشهير
التى تم توجيهها إليه جراء محاولته التأكيد علنا على أهمية حسن العلاقة بين
المفتشين وبين المسئولين فى الدولة الواقعة تحت التفتيش وعدم إهانة هؤلاء واحترام
ثقافتهم.
ثم يروى البرادعى تفاصيل لبعض ما كان من الخلافات الدائرة بين
المفتشين والمسئولين العراقيين، ويقول «العراقيون كان يصرون على انكار وجود برنامج
سرى للتخصيب، وبالتالى كان من المهم تعقب الاجهزة المستخدمة بوصفها الدليل على حدوث
عمليات تخصيب غير معلنة. وبالتالى فمنذ البداية تحولت الجولة الثانية للتفتيش
لعملية مطاردة، حيث قال العراقيون إن المكان الأصلى الذى تم فيه اكتشاف الاسطوانات
المعدنية، المفترض أنها كانت تستخدم فى إطار عملية التخصيب، هو مكان عسكرى لا يسمح
لمفتشى الوكالة بالدخول إليه عند وصولهم، حسب الاتفاق المسبق، وهو ما اضطر الوكالة
إلى التخاطب مع قيادات عراقية أرفع وبالتالى بعد ثلاثة أيام تم السماح للمفتشين
بدخول الموقع ليكتشفوا ان المعدات قد اختفت».
ويشرح البرادعى أن عمليات
التفتيش فى العراق كانت تتم على ثلاث مسارات متوازية. الأول، بحسب حديث البرادعى،
كان يهدف لتوضيح المعلومات المتاحة حول برنامج التسلح النووى العراقى، والثانى كان
التمهيد لإخلاء العراق من اليورانيوم شديد التخصيب والثالث فقد تركز على تفكيك
معددات التخصيب.
ويقول إنه «بعد قرابة عام من العمل على الارض فى العراق كان
يمكن القول ان ما جاء به القرار 697 كان قيد التنفيذ بصورة جيدة».
إسرائيل والعراق
وفى معرض حديثه عن البرنامج النووى
العراقى يتذكر البرادعى أمرا يعود لمطلع الثمانينيات عندما وجهت إسرائيل ضربة
عسكرية لمفاعل عراقى نووى فى ذلك الوقت ــ دون أن يكون لتلك الضربة تبعات تذكر
بالنسبة لإسرائيل. ويقول «ولم يتبع قيام مجلس الأمن بإدانة التصرف الإسرائيلى بوصفه
خرقا للقانون الدولى بأية تبعات من أى نوع. بل إن اسرائيل تكاد تكون قد تجاهلت مطلب
مجلس الأمن بتقديم التعويض للعراق وبأن تقوم بوضع منشآتها النووية تحت مظلة
الضمانات للوكالة الدولية للطاقة الذرية». وبالتالى، كما يضيف البرادعى فى الفصل
الأول من كتابه «زمن الخداع» كان قرار صدام حسين بأن «يتعامل مع هذه المشكلة بنفسه
ــ وكانت النتائج ما رأيناه بعد ذلك» من محاولة سرية لتطوير برنامج لأسلحة الدمار
الشامل كشفت عنه حرب الخليج التى وقعت فى 1991.
ويقر البرادعى بلغة تجمع بين
الأسف والتفهم بأن التباين فى التعامل الدولى مع مجرد ادعاء بامتلاك العراق للسلاح
النووى وصمت المجتمع الدولى عن سياسة الغموض النووى التى تتبعها إسرائيل هو أمر
يلقى الرأى العام العربى بلائمته على الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
ويقول
مع نهاية الفصل الأول من كتابه «وعندما بدأت بزيارة الدول العربية بوصفى مدير عام
الوكالة كنت كثيرا ما أستمع لانتقادات موجهة للوكالة لعجزها عن «القيام بشىء ما»
إزاء برنامج إسرائيل النووى». ويضيف أنه كثيرا ما كرر لمحدثيه فى العالم العربى أن
الوكالة ليس لها الحق فى تفتيش منشآت إسرائيل النووية لأن إسرائيل وإن كانت عضوا فى
الوكالة فهى لم تقم بالانضمام إلى اتفاقية حظر انتشار الأسلحة كما انها ليست ملتزمة
بمظلة الضمانات التى تقررها الوكالة، ومع ذلك يقر بأن «هذا الحديث لم يكن ليريح
الرأى العام الناقم فى العالم العربى والذى كان يصر على أن الوكالة منحازة لصالح
إسرائيل ولا تقوم بمهماتها على الوجه الأكمل».
مصر
والعرب والعراق
ولكن ما قد يثير أسى القارئ العربى هو ما يطالعه من
تفاصيل وتقييم موقف يطرحه البرادعى حول موقف القاهرة والدول العربية إجمالا فى
التعاطى مع تطورات الحرب على العراق، حيث يذكر «زمن الخداع» القارئ بقمة شرم الشيخ
التى استضافتها مصر قبيل شن الحرب الأمريكية على العراق وعجز الدول العربية، أو
ربما عدم رغبتهم فى ذلك ــ كما يلمح البرادعى ــ اتخاذ المبادرات أو المواقف
السياسية التى تتيح درء الحرب ولو من خلال تبنى مبادرة الإمارات العربية الداعية
لتنحى صدام حسين ومنحه اللجوء فى الإمارات ذاتها لإعفاء شعب العراق من مصير أليم
بدا مقتربا فى الأفق.
ويقول البرادعى «وفى بداية عمليات التفتيش التقيت
الرئيس المصرى حسنى مبارك الذى كان باديا أنه يبغض صدام حسين بصورة شخصية، حيث
أخبرنى بأن الرئيس العراقى خدعه أثناء حرب الخليج الاولى بعد أن قام بغزو الكويت
بالرغم من التعهد الذى أبداه للرئيس المصرى بعد القيام بذلك».
ثم يضيف إنه
فى حديث لاحق، حول العراق، طالب البرادعى من مبارك التدخل لدى صدام لتسهيل عمليات
التفتيش لإبعاد شبح المواجهة عن العراق، «وأخبرنى مبارك بأنه تلقى رسالة من صدام
حسين فى هذا الصدد وأنه ليست هناك مدعاة للقلق وأن كل شىء سيكون على ما يرام، وفى
ذات الحديث أخبرنى مبارك بأن «صدام حسين لديه أسلحة بيولوجية وأنه يقوم بإخفائها فى
المقابر» وكانت تلك أول وآخر مرة أسمع فيها هذه الشائعة» التى لم تعد إلا بعد سنوات
من الحرب عن العراق عندما ذكرها الرئيس الأمريكى السابق بوش فى مذكراته عن تلك
الحرب.
المهذب- عضو ذهبي
- رقم العضوية : 8
عدد المساهمات : 1344
نقاط : 2596
تاريخ التسجيل : 02/05/2011
الموقع : مصر ام الدنيا
الشروق تقدم عرضًا لكتاب زمن الخداع للبرادعى (2)
الشروق تقدم عرضًا لكتاب زمن الخداع
للبرادعى (2)
آخر تحديث: الاثنين 9 مايو 2011 11:10
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
عرض:دينا عزت -
إلى مايا، حفيدته ذات الأعوام الثلاثة،
يهدى محمد البرادعى، المرشح الرئاسى المصرى والحائز على جائزة نوبل للسلام، كتابه
الذى يحكى فيه قصة 12 عاما أمضاها على رأس الوكالة الدولية للطاقة الذرية، بحثا عن
تقويض انتشار مدمر للسلاح النووى وتخفيض لترسانات نووية قائمة واستخدامات سلمية
للطاقة النووية تسهم فى توليد الطاقة وعلاج السرطان ــ أى بحثا عن عالم أفضل يحلم
البرادعى أن يسوده الأمن من الدمار والسعى للنماء، عالم يريد أن يتركه لهذه الحفيدة
وحفيدات وأحفاد آخرين قد يكونوا له يوما، ولأجيال من الأطفال، من بينهم من يعنى به
البرادعى بنفسه من خلال كفالة أيتام فى مناطق فقيرة فى القاهرة، وبينهم أطفال فى
العراق وإيران وكوريا الشمالية وغيرها يرى البرادعى أنهم يستحقون عالما
أفضل.
بينما كان العالم غارقا فى متابعة فصول قصة المفتشيين الدوليين عن
السلاح فى العراق، طفت على السطح فصول قصة نووية أخرى، وفى آسيا أيضا، هذه المرة فى
كوريا الشمالية.
يقول البرادعى، فى مطلع الفصل الثانى من كتابه والذى يخصصه
بالكامل لملف كوريا الشمالية: «كان عام 2002 يقترب من نهايته، وكانت فرق التفتيش
الدولية قد أخذت تحقق تقدما مهما فى عملها فى العراق، عندما وجد العالم نفسه فى
مواجهة ملف نووى جديد لكوريا الشمالية». ويضيف: «منذ ذلك الحين وحتى يومنا هذا تبقى
كوريا الشمالية والولايات المتحدة الأمريكية، اللاعب المقابل على الساحة الدولية فى
الملف الكورى، فى مواجهات لا تنتهي. أحيانا تقترب هذه المواجهة من حافة الهاوية،
وأحيانا أخرى تبتعد عنها ليعود الصراع عند الحافة مرة ثانية وهكذا».
وفى
روايته لبعض من فصول المواجهة بين واشنطن وبيونج يانج يقول البرادعى: «كانت هناك
محاولة للتوصل إلى حل لهذا الملف بأن تقوم الولايات المتحدة الأمريكية بتقديم
مفاعلين نوويين يعتمد تشغيلهما على المياه الخفيفة مقابل أن تقوم بيونج يانج بتجميد
المشروع النووى الكورى. غير أن شعورا بالاستياء كان يسود فى كوريا الشمالية بسبب
تأخر واشنطن فى الوفاء بتسليم هذين المفاعلين»، مضيفا أنه فى الوقت نفسه كانت
«واشنطن مستاءة بسبب عدم قيام بيونج يانج بالكشف عن المزيد من النشاطات النووية
التى كانت الولايات المتحدة الأمريكية تتشكك فى وجودها فى كوريا
الشمالية».
حديث البرادعى عن فصول المواجهة الدبلوماسية بين واشنطن وبيونج
يانج، يطرح عقدة موقف الوكالة الدولية للطاقة الذرية والتى، كما يقول صاحب كتاب
«زمن الخداع»، وقفت بين الجانبين «تحاول قدر استطاعة مفتشيها التأكد من تجميد نشاط
المنشآت النووية الكورية الشمالية، لكن دون أن يكون لدى الوكالة ومفتشيها القدرة من
التحقق من أن المنشآت الجارى تجميد نشاطها هى كل ما لدى كوريا الشمالية من منشآت
نووية».
بوش غير راغب فى الحوار
فى الفصل
الثانى «كوريا الشمالية.. عضو جديد فى النادى النووى»، يتحدث البرادعى، مرات
بالتلميح ومرات بالتصريح، عن التأثير السلبى لسياسات جورج بوش على التعامل مع ملف
البرنامج النووى لكوريا الشمالية، ويقول إنه قبيل نهاية رئاسة الرئيس الأمريكى بيل
كلينتون لاحت فى الأفق إمكانية للتوصل إلى حل تفاوضى بين واشنطن وبيونج يانج غير أن
الوقت لم يسمح، وجاءت الانتخابات الرئاسية الأمريكية بجورج دبليو بوش الذى أعلن
«لدى استقباله زعيم كوريا الجنوبية، عقب حصول الأخير على جائزة نوبل للسلام عن
اتباعه سياسة الشمس المشرقة للحوار والتقارب مع كوريا الشمالية ــ أن واشنطن غير
راغبة فى الحوار مع كوريا الشمالية. وبعد شهور قليلة كان بوش الابن قد وضع كوريا
الشمالية مع العراق وإيران فيما وصفه بمحور الشر، بل انه وصف زعيم كوريا الشمالية
بالطفل الفاسد».
وبعد فترة قصيرة، كما يشير البرادعى، تفتحت آفاق لتحسن
الاجواء بين الولايات المتحدة الأمريكية وكوريا الشمالية من خلال مبادرات دولة جارة
لكوريا الشمالية وحليفة للولايات المتحدة الأمريكية وهى اليابان، فى إشارة، لا يمل
البرادعى تكرارها حول أهمية وتأثير دول الجوار للتعامل مع الملفات النووية، بل
والصفة الحاسمة التى يمكن أن تكون لهذا الدور والأثر السلبى الذى يمكن أن ينجم عن
غيابه. ولكن الأمور فى التعامل مع الملفات النووية لا تسير على نمط
واحد.
وبالفعل، يقول البرادعى، إنه بينما كانت آفاق التحسن بادية «حدث تحول
مفاجئ جراء معلومات أدلى بها مساعد وزير الخارجية الأمريكية لشئون الشرق الادنى جيم
كيلى فى تقرير أعده لواشنطن بناء على لقاءات أجراها مع كبار المسئولين فى كوريا
الشمالية. وحتى يومنا هذا فلم يتكشف الكثير مما جاء فى هذه اللقاءات، ولكن يبدو أن
كيلى قد وجه خلالها اتهاما لكوريا الشمالية بإدارة برنامج سرى لتخصيب
اليورانيوم».
وعقب ذلك، يضيف البرادعى، طالبت الولايات المتحدة الأمريكية
بعملية تفتيش فى هذا البرنامج، وهو الأمر الذى تسرب للصحافة مصحوبا باتهامات لكوريا
الشمالية بخرق التفاهم القائم بينها وبين الولايات المتحدة الأمريكية لايقاف
برنامجها النووى مقابل حصولها على مفاعلين نوويين يعملان بالمياه الخفيفة للأغراض
النووية السلمية.
والتفتيش هو دوما لحظة الحسم فى دراما الملفات النووية،
كما يمكن لقارئ «زمن الخداع» ملاحظته، كما أن لحظة الاعلان عن التفتيش كثيرا ما
تأتى مصحوبة بكثير من التعقيدات والتطورات المتصاعدة ــ وكذلك كان الحال بالنسبة
لملف كوريا الشمالية حيث إن الولايات المتحدة الأمريكية قررت وقف شحنات وقود نووى
كانت مقررة لكوريا الشمالية والتى قررت بدورها وقف التعاون مع الولايات المتحدة
الأمريكية بل و«هددت بطرد مفتشى الوكالة الدولية للطاقة الذرية واستئناف نشاط نووى
متقدم وصولا إلى الانسحاب من الاتفاقية الدولية لحظر انتشار الاسلحة النووية» بعد
اعلانها استئناف نشاطات نووية كانت قد علقتها مع بدء التواصل مع الولايات المتحدة
الأمريكية بحثا عن حل مرضى للجانبين.
من كوريا الشمالية
إلى سريلانكا
«ولم يكن الأمر مجرد تهديد بل شرعت بالفعل كوريا
الشمالية فى مطالبة متفتشى الوكالة الدولية للطاقة الذرية بوقف نشاطهم فى موقع يونج
بيون. وقد أجرينا اتصالات عديدة مع المسئولين فى كوريا الشمالية لمحاولة إقناعهم
بمراجعة موقفهم. لقد كان ذلك فى عطلة اعياد الميلاد وكنت أتابع الأمر من فندق كنت
أمضى فيه العطلة السنوية فيه مع عائلتى فى سريلانكا.. فى الوقت نفسه فقد كنت على
اتصال دائم بأعضاء مجلس محافظى الوكالة الدولية للطاقة الذرية فى
فيينا».
وطغت تطورات بيونج يانج على عطلة أسرة البرادعى، الذى انتهى الامر
به متواصلا فى أحاديث هاتفية وتصريحات صحفية بل وفى إصدار بيان لإدانة الموقف الذى
اتخذته كوريا الشمالية، حيث اعتبر «الخطوات التى اتبعتها كوريا الشمالية، مدعاة
للقلق من انتشار التسلح النووى بل إننى ذهبت لأبعد من ذلك واتهمت كوريا الشمالية
باتباع سياسة حافة الهاوية فيما يتعلق بالانتشار النووى».
انسحاب كوريا الشمالية من اتفاقية حظر الانتشار
وتتوالى
الضغوط الدبلوماسية والاتصالات مع كوريا الشمالية لإقناعها بالعدول عن قرارها ولكن
دون فائدة، وتقرر كوريا الشمالية أن تنسحب من اتفاقية حظر انتشار الأسلحة النووية،
ثم تقوم بإيقاف «عمل كل وسائل الفحص والمتابعة التى كانت الوكالة الدولية قد قامت
بوضعهم ثم تبع ذلك خطوات واضحة لتشغيل المنشآت النووية التى كانت محل التفتيش
الدولى».
وتتوالى الجهود سواء من البرادعى نفسه، كما يروى لقارئ «زمن
الخداع»، أو من الدول المعنية، خاصة دول جوار كوريا الشمالية، فى تأكيد جديد على
أهيمة دور دول الجوار لإقناع بيونج يانج بالعودة عن قرارها دون أفق واضح لتحقيق
ذلك.
التوجه إلى مجلس الأمن
وفى الصفحة
التالية يتحدث البرادعى عن إحالة ملف كوريا الشمالية إلى مجلس الامن، مشيرا إلى أن
«المجلس الأممى لم يقدم على اتخاذ أى خطوة بشأن هذا الملف، حيث كان المجلس مشغولا
كما بقية العالم فى الكارثة التى كانت فصولها تتداعى فى العراق». ويضيف: «كما أن
موقف الصين التى لها حق الفيتو والتى كانت تصر على أن حل ملف كوريا الشمالية وما
إليه من الملفات يتطلب الحوار والتفاوض دون صدور موقف من مجلس الامن بصدد الوضع فى
كوريا الشمالية».
استبعاد الوكالة
وكما يذكر
البرادعى فلم يكن للوكالة الدولية للطاقة الذرية «أى دور فى هذه المحادثات» بل أن
الوكالة «لم تعلم أى شىء عنها منذ الانسحاب الفعلى لكوريا الشمالية من اتفاقية حظر
انتشار الأسلحة النووية وسحب المفتشين الدوليين من هناك».
بل يقر البرادعى
أنه كثيرا ما كان يسعى من خلال مصادره المختلفة إلى الحصول على معلومات حول ما كان
يدور فى تلك المحادثات السداسية. ويقول: «فى الوقت نفسه أعلنت عن عدم ارتياحى عن
الطريقة التى تدار بها الأمور فى عدد من المحافل العامة، ومن بين ذلك وفى أثناء
إدلائى بمحاضرة امام مجلس العلاقات الخارجية، حيث قلت «إن ما يقلقنى إزاء كوريا
الشمالية أن ما يجرى أسوأ رسالة ممكنة للدول التى يمكن أن تفكر فى حيازة الاسلحة
النووية والرسالة مفادها انه إذا أرادت دولة أن تكون نووية، فلتحمى نفسها من أى
عقاب محتمل عليها أن تقوم بتطوير كبير وسريع لقدراتها النووية».
وعلى الرغم
من ذلك يؤكد المدير السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية أنه اختار أن يدعم
المباحثات السداسية، ذلك على الرغم مما كان يراه «طوال الوقت أن غياب ردة فعل دولية
جماعية إزاء ملف كوريا الشمالية يمثل سابقة شديدة الخطورة».
كوريا الشمالية والعراق
ولا يغفل البرادعى أن يقارن بين
حال التعامل مع كوريا الشمالية بالإصرار على التفاوض رغم رفض بيونج يانج إعادة
المفتشين وحال التعامل مع العراق بالاصرار على الحرب رغم تعاون بغداد مع فرق
التفتيش الدولية، بل أنه أبلغ مجلس المحافظين للوكالة الدولية للطاقة الذرية أن
الدولة التى لا تتحرك بسرعة لتطوير قدراتها النووية، فى إشارة إلى كوريا الشمالية،
قد تتعرض لحرب استباقية، كما كان الحال قد اصبح مع العراق.
وبالفعل فإن
استخدام بيونج يانج للشهور التالية لطرد المفتشين الدوليين فى تطوير قدراتها
النووية والاقتراب اكثر واكثر من مرحلة التسلح النووى قد دفع بها لرفع سقف مطالبها
حسبما يكشف «زمن الخداع».
ويقول البرادعى: «وفيما استطعت قراءته بين السطور
حول المحادثات السداسية فإن مطالب كوريا الشمالية مقابل وقف برنامجها النووى كانت
بالفعل قد تجاوزت الحصول على مفاعليين نوويين لأغراض سلمية من الولايات المتحدة
الأمريكية وانها اصبحت تشمل الحصول على المزيد من المعونة والتوصل لاتفاق حول حزمة
ضمانات أمنية إلى جانب تطبيع العلاقات مع واشنطن».
ويضيف البرادعى: «كما
كان باديا لى أن واشنطن، وبدرجة ما طوكيو، كانت تريد على الجانب الآخر أن تتحرك
بيونج يانج نحو تفكيك برنامجها النووى بدرجة تحول دون استعادة تفعيل دورة الوقود
النووية. بل أن الولايات المتحدة كانت تسعى لعدم حصول كوريا الشمالية على معونة
دولية قبل أن تقوم بيونج يانج باتخاذ خطوات جادة فى سبيل تفكيك برنامجها النووى
وتقديم ضمانات كافية فى هذا الشأن، أما الصين وروسيا وكوريا الجنوبية فبدو أميل
لموقف أقل تشددا يقوم على التبادلية بمعنى أنه كلما اتخذت كوريا الشمالية خطوة حصلت
على مكافئة لها».
السحب تنقشع ــ أو هكذا
تبدو
«وفجأة وبدون مقدمات بدأت السحب تنقشع حيث إن الجولة الرابعة
للمفاوضات التى كانت قد توقفت دون نتائج فى أغسطس من عام 2005 قد استؤنفت فى شهر
سبتمبر وتوصلت الاطراف الستة إلى اتفاق حول إعلان مشترك يحدد المبادئ التى سيتم
العمل على أساسها مع الوضع بالنسبة لكوريا الشمالية»، حسبما يروى البرادعى. ويضيف
أن الاعلان شمل اشارة إلى موافقة كوريا الشمالية التخلى عن برنامجها للتسلح النووى
والعودة إلى مظلة اتفاقية حظر انتشار الاسلحة النووية ونظام الضمانات الذى تقوم
الوكالة الدولية للطاقة الذرية بتنفيذه.
السبب فى هذا التطور، كما يحلل
البرادعى، هو تغير الموقف الامريكى والناجم بدوره عن اختراق صفوف المتشددين
الامريكين بشخصية ليست بعيدة بالضرورة عن التشدد ولكنها أيضا ليست بعيدة عن التعقل
والاتزان. ويقول: «أظن أن احد أهم الاسباب هو تولى كوندوليزا رايس منصب وزيرة
الخارجية الامريكية، فاستطاعت أن تقنع بوش ــ بعكس ما كان يقول به نائب الرئيس
الامريكى ديك تيشينى ومعاونيه ــ بأن هناك حاجة لتبنى نهج مختلف إزاء كوريا
الشمالية».
وبحسب رواية البرادعى: «بدا تأثير رايس واضحا ايضا فى اختيار
كريستوفر هيل رئيسا لوفد التفاوض الامريكى المشارك فى المباحثات السداسية، ثم ارتقى
هيل بعد ذلك بعدة اشهر ليكون مساعد وزير الخارجية الأمريكية لشئون الشرق الأدنى.
وكان هيل ديبلوماسيا يؤمن بالبراجماتية وكذلك بالبناء المتدرج للثقة واستطاع بالفعل
أن يتفاعل مع المسئولين فى كوريا الشمالية».
ويضيف البرادعى: «تمكن هيل من
تحقيق اختراقات واضحة مع المسئولين فى كوريا الشمالية للدرجة التى اخذ معها بعض
اليابانيين، على ما يبدو، يلقبونه مزاحا بكريس يونج ــ هيل، فى اقتباس عن اسم
الزعيم الكورى الشمالى وإشارة فى نفس الوقت إلى قدرته على التعاطى مع بيونج يانج
باللغة التى تقبلها وتتفهمها».
غير أن كل ذلك لم ينتج اتفاقية، وحسبما يروى
البرادعى فى ذات الفصل الثانى من كتابه «عادت المباحثات للتوقف ثانية وقامت
الولايات المتحدة الأمريكية بتجميد 25 مليون دولار تخص كوريا الشمالية فى احد
البنوك الأمريكية فى ماكو بدعوى أن هذه الأموال محولة فى إطار عمليات غير قانونية
ترتبط بعمليات لغسل الاموال وتزوير العملات النقدية».
التجربة النووية
«ومع دخول المفاوضات مرحلة جديدة من
التعرقل أعلنت كوريا الشمالية انها ستقوم بأولى تجاربها النووية، وهو ما كان بالفعل
فى التاسع من اكتوبر عام 2006 ــ أى بعد ستة ايام فقط من التهديد الصادر عن بيونج
يانج»، كما يتذكر البرادعى.
ويقول البرادعى إن الاختبار الذى اجرته بيونج
يانج لم يكن قويا بالضرورة ولكنه على الرغم من ذلك فإنه اثبت أن «كوريا الشمالية
على الرغم مما تعانيه من فقر وعزلة ووقوعها تحت التهديد الامريكى تمكنت من تحدى
العالم وتمكنت أيضا من أن تلتحق بالنادى النووى الذى كانت عضويته مقصورة على بلدان
قليلة من العالم».
وفى هذه اللحظة تحدثت شخصيات امريكية معلنة فشل إدارة
الرئيس جورج دبليو بوش فى إدارة أزمة ملف كوريا الشمالية النووى، كما يتذكر
البرادعى ببعض التفاصيل. وتحدث المتشددون أيضا عن ضرورة اتخاذ قرارات اكثر حدة تجاه
بيونج يانج، لكن ما تحدثت به رايس مع البرادعى نفسه كان بمثابة دعوة لدخول الوكالة
الدولية للطاقة الذرية على خط المباحثات ثانية.
ويقول البرادعى إن رده لرايس
جاء إيجابيا، حيث أشار إلى أن الوكالة تستطيع أن تبدأ «بالقيام ببعض مهام التفتيش
التى تكون محل اتفاق مع حكومة كوريا الشمالية، على أن تتوالى هذه العمليات وتتصاعد
فى مراحل لاحقة»، وهو ما اتفقت معه رايس.
وجاء قرار البرادعى، كما يروى فى
«زمن الخداع»، بالسفر إلى بيونج يانج متوائما مع جملة من الإشارات والاستجابات بين
واشنطن من بيونج يانج.
الغرفة الباردة
«وفى
مارس 2007، بدأت أول زيارة لى لكوريا الشمالية منذ نحو خمسة عشر عاما، إلا أن هذه
الزيارة بدأت بعثرة، حيث كنت قد تقدمت بطلب عبر الصين إلى السلطات فى كوريا
الشمالية لتشمل ترتيبات الزيارة لقاء لى مع الزعيم الكورى كيم جونج إيل، وعندما
توقفت فى بكين متوجها إلى بيونج يانج قال لى المسئولون الصينيون إن نظراءهم من
كوريا الشمالية ممتعضون لأننى لم أتوجه إليهم مباشرة بطلب لقاء الزعيم الكورى، خاصة
أن الدعوة لزيارتى كانت قد جاءت بمبادرة من بيونج يانج»، حسبما يكتب البرادعى فى
«زمن الخداع».
وفى الصفحات التالية يروى المدير السابق للوكالة الدولية
للطاقة الذرية تفاصيل زيارة فى أيام باردة لبيونج يانج واقامة فى غرفة باردة فى أحد
فنادقها المتواضعة الحال ومحادثات جاء بعض منها باردا أيضا مع المسئولين فى كوريا
الشمالية.
«بعد الترحيب بنا، تعرضنا لسلسة من المواقف غير المفهومة ــ ولم
يكن ذلك مستغربا بالنسبة لما هو معتاد من كوريا الشمالية، فعلى سبيل المثال تم
إلغاء موعد كان مقررا لنا مع نائب الوزير الكورى الذى يرأس وفد بلاده فى المباحثات
السداسية، وجاء ذلك الإلغاء فى اللحظة الاخيرة. ورغم أن الاعتذار جاء بسبب مرض
المسئول الكورى، غير أن التفسير الاعلامى لذلك كان معبرا عن الاعتقاد بعدم جدية
كوريا الشمالية فى التعاون مع الوكالة الدولية»، يروى البرادعى، مضيفا أنه لم يكن
واثقا إذا ما كان المترجم ينقل بدقة كل ما يقول إلى كبار المسئولين الكوريين أم إذا
ما كانت الترجمة تأتى بتصرف خشية من الإغضاب.
أوقات
أفضل
وعلى رغم من البرودة التى سيطرت على زيارة البرادعى لكوريا
الشمالية فإن ما تلاها كان معبرا عن أجواء أكثر دفئا فى تعامل العالم، خاصة
الولايات المتحدة الأمريكية مع كوريا الشمالية.
وبدأت دفة الأمور تدار
باتجاه أوقات أفضل، بل إن كوريا الشمالية، حسبما يروى البرادعى، دعت فرقا من وسائل
الاعلام الغربى لزيارة الموقع النووى الذى تم إغلاقه، وفى فبراير 2008 قامت كبيرة
المراسلين للشئون الخارجية فى شبكة سى.إن.إن الاخبارية الأمريكية ببث تقرير مباشر
من يونج ــ بيون، مشيرة إلى أن كوريا الشمالية «قد كشفت الغطاء النووى الذى كانت
تضعه».
السحب تعود
ولكن الإشارات الايجابية
لم تؤد بالضرورة لتحرك مستدام نحو التوصل إلى تفاهم سياسى ينهى أزمة ملف كوريا
الشمالية النووى، كما يقول البرادعى بتفاصيل ووقائع تقود القارئ نحو اللحظة
المحتومة التى تضيق فيها الدائرة ليبدأ الحديث ثانية عن تصاعد الحنق السياسى ومعه
استعادة الانشطة النووية لكوريا الشمالية.
«وعادت الأمور للتدهور مرة ثانية
مع صيف 2008، حيث تدهور العلاقات بين واشنطن وبيونج يانج بسبب غضب كوريا الشمالية
من عدم قيام الولايات المتحدة الأمريكية برفع كوريا الشمالية من على قائمة الدول
الراعية للإرهاب»، حسبما يقول البرادعى.
ويضيف: «وحسبما علمت فإن المتشددين
فى واشنطن كانوا يريدون الحصول على المزيد من كوريا الشمالية فى مقابل هذه الخطوة،
كانوا يريدون التريث حتى التحقق من دقة ما جاء فى إعلان كوريا الشمالية عن نشاطاتها
النووية حتى يقوموا برفع اسمها من على قائمة الدولية الراعية للإرهاب. غير أن كوريا
الشمالية بطبيعة الحال رأت فى ذلك تراجعا جديدا للولايات المتحدة الأمريكية عن
الوفاء بعهودها، فما كان من بيونج يانج إلا أن امرت بإعادة بعض الأجهزة للمواقع
التى كان تم اغلاقها وتم إبعاد مفتشى الوكالة عن الموقع فى يونج ــ بيون فى الثامن
من أكتوبر».
وبين شد وجذب تستمر العلاقات بين واشنطن وبيونج يانج، وذهاب
المفتشين الدوليين لكوريا الشمالية واضطرارهم لمغادرتها، استمر الحال ــ مع تدخلات
من الوكالة الدولية للطاقة الذرية أو أحد دول جوار كوريا الشمالية، بما فى ذلك
كوريا الجنوبية التى استطاع مسئولوها، حسبما يروى البرادعى، تجاوز العداء القائم مع
كوريا الشمالية للبحث عن المصلحة الحاكمة لدولتين هما فى النهاية لشعبين من
«الأشقاء».
ومع 25 مايو 2009، كانت كوريا الشمالية قد أجرت ثانى اختبار نووى
لها بنجاح، لتضع الكلمة الختامية بإقرار موقفها عضوا فى النادى النووى.
للبرادعى (2)
آخر تحديث: الاثنين 9 مايو 2011 11:10
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
عرض:دينا عزت -
إلى مايا، حفيدته ذات الأعوام الثلاثة،
يهدى محمد البرادعى، المرشح الرئاسى المصرى والحائز على جائزة نوبل للسلام، كتابه
الذى يحكى فيه قصة 12 عاما أمضاها على رأس الوكالة الدولية للطاقة الذرية، بحثا عن
تقويض انتشار مدمر للسلاح النووى وتخفيض لترسانات نووية قائمة واستخدامات سلمية
للطاقة النووية تسهم فى توليد الطاقة وعلاج السرطان ــ أى بحثا عن عالم أفضل يحلم
البرادعى أن يسوده الأمن من الدمار والسعى للنماء، عالم يريد أن يتركه لهذه الحفيدة
وحفيدات وأحفاد آخرين قد يكونوا له يوما، ولأجيال من الأطفال، من بينهم من يعنى به
البرادعى بنفسه من خلال كفالة أيتام فى مناطق فقيرة فى القاهرة، وبينهم أطفال فى
العراق وإيران وكوريا الشمالية وغيرها يرى البرادعى أنهم يستحقون عالما
أفضل.
بينما كان العالم غارقا فى متابعة فصول قصة المفتشيين الدوليين عن
السلاح فى العراق، طفت على السطح فصول قصة نووية أخرى، وفى آسيا أيضا، هذه المرة فى
كوريا الشمالية.
يقول البرادعى، فى مطلع الفصل الثانى من كتابه والذى يخصصه
بالكامل لملف كوريا الشمالية: «كان عام 2002 يقترب من نهايته، وكانت فرق التفتيش
الدولية قد أخذت تحقق تقدما مهما فى عملها فى العراق، عندما وجد العالم نفسه فى
مواجهة ملف نووى جديد لكوريا الشمالية». ويضيف: «منذ ذلك الحين وحتى يومنا هذا تبقى
كوريا الشمالية والولايات المتحدة الأمريكية، اللاعب المقابل على الساحة الدولية فى
الملف الكورى، فى مواجهات لا تنتهي. أحيانا تقترب هذه المواجهة من حافة الهاوية،
وأحيانا أخرى تبتعد عنها ليعود الصراع عند الحافة مرة ثانية وهكذا».
وفى
روايته لبعض من فصول المواجهة بين واشنطن وبيونج يانج يقول البرادعى: «كانت هناك
محاولة للتوصل إلى حل لهذا الملف بأن تقوم الولايات المتحدة الأمريكية بتقديم
مفاعلين نوويين يعتمد تشغيلهما على المياه الخفيفة مقابل أن تقوم بيونج يانج بتجميد
المشروع النووى الكورى. غير أن شعورا بالاستياء كان يسود فى كوريا الشمالية بسبب
تأخر واشنطن فى الوفاء بتسليم هذين المفاعلين»، مضيفا أنه فى الوقت نفسه كانت
«واشنطن مستاءة بسبب عدم قيام بيونج يانج بالكشف عن المزيد من النشاطات النووية
التى كانت الولايات المتحدة الأمريكية تتشكك فى وجودها فى كوريا
الشمالية».
حديث البرادعى عن فصول المواجهة الدبلوماسية بين واشنطن وبيونج
يانج، يطرح عقدة موقف الوكالة الدولية للطاقة الذرية والتى، كما يقول صاحب كتاب
«زمن الخداع»، وقفت بين الجانبين «تحاول قدر استطاعة مفتشيها التأكد من تجميد نشاط
المنشآت النووية الكورية الشمالية، لكن دون أن يكون لدى الوكالة ومفتشيها القدرة من
التحقق من أن المنشآت الجارى تجميد نشاطها هى كل ما لدى كوريا الشمالية من منشآت
نووية».
بوش غير راغب فى الحوار
فى الفصل
الثانى «كوريا الشمالية.. عضو جديد فى النادى النووى»، يتحدث البرادعى، مرات
بالتلميح ومرات بالتصريح، عن التأثير السلبى لسياسات جورج بوش على التعامل مع ملف
البرنامج النووى لكوريا الشمالية، ويقول إنه قبيل نهاية رئاسة الرئيس الأمريكى بيل
كلينتون لاحت فى الأفق إمكانية للتوصل إلى حل تفاوضى بين واشنطن وبيونج يانج غير أن
الوقت لم يسمح، وجاءت الانتخابات الرئاسية الأمريكية بجورج دبليو بوش الذى أعلن
«لدى استقباله زعيم كوريا الجنوبية، عقب حصول الأخير على جائزة نوبل للسلام عن
اتباعه سياسة الشمس المشرقة للحوار والتقارب مع كوريا الشمالية ــ أن واشنطن غير
راغبة فى الحوار مع كوريا الشمالية. وبعد شهور قليلة كان بوش الابن قد وضع كوريا
الشمالية مع العراق وإيران فيما وصفه بمحور الشر، بل انه وصف زعيم كوريا الشمالية
بالطفل الفاسد».
وبعد فترة قصيرة، كما يشير البرادعى، تفتحت آفاق لتحسن
الاجواء بين الولايات المتحدة الأمريكية وكوريا الشمالية من خلال مبادرات دولة جارة
لكوريا الشمالية وحليفة للولايات المتحدة الأمريكية وهى اليابان، فى إشارة، لا يمل
البرادعى تكرارها حول أهمية وتأثير دول الجوار للتعامل مع الملفات النووية، بل
والصفة الحاسمة التى يمكن أن تكون لهذا الدور والأثر السلبى الذى يمكن أن ينجم عن
غيابه. ولكن الأمور فى التعامل مع الملفات النووية لا تسير على نمط
واحد.
وبالفعل، يقول البرادعى، إنه بينما كانت آفاق التحسن بادية «حدث تحول
مفاجئ جراء معلومات أدلى بها مساعد وزير الخارجية الأمريكية لشئون الشرق الادنى جيم
كيلى فى تقرير أعده لواشنطن بناء على لقاءات أجراها مع كبار المسئولين فى كوريا
الشمالية. وحتى يومنا هذا فلم يتكشف الكثير مما جاء فى هذه اللقاءات، ولكن يبدو أن
كيلى قد وجه خلالها اتهاما لكوريا الشمالية بإدارة برنامج سرى لتخصيب
اليورانيوم».
وعقب ذلك، يضيف البرادعى، طالبت الولايات المتحدة الأمريكية
بعملية تفتيش فى هذا البرنامج، وهو الأمر الذى تسرب للصحافة مصحوبا باتهامات لكوريا
الشمالية بخرق التفاهم القائم بينها وبين الولايات المتحدة الأمريكية لايقاف
برنامجها النووى مقابل حصولها على مفاعلين نوويين يعملان بالمياه الخفيفة للأغراض
النووية السلمية.
والتفتيش هو دوما لحظة الحسم فى دراما الملفات النووية،
كما يمكن لقارئ «زمن الخداع» ملاحظته، كما أن لحظة الاعلان عن التفتيش كثيرا ما
تأتى مصحوبة بكثير من التعقيدات والتطورات المتصاعدة ــ وكذلك كان الحال بالنسبة
لملف كوريا الشمالية حيث إن الولايات المتحدة الأمريكية قررت وقف شحنات وقود نووى
كانت مقررة لكوريا الشمالية والتى قررت بدورها وقف التعاون مع الولايات المتحدة
الأمريكية بل و«هددت بطرد مفتشى الوكالة الدولية للطاقة الذرية واستئناف نشاط نووى
متقدم وصولا إلى الانسحاب من الاتفاقية الدولية لحظر انتشار الاسلحة النووية» بعد
اعلانها استئناف نشاطات نووية كانت قد علقتها مع بدء التواصل مع الولايات المتحدة
الأمريكية بحثا عن حل مرضى للجانبين.
من كوريا الشمالية
إلى سريلانكا
«ولم يكن الأمر مجرد تهديد بل شرعت بالفعل كوريا
الشمالية فى مطالبة متفتشى الوكالة الدولية للطاقة الذرية بوقف نشاطهم فى موقع يونج
بيون. وقد أجرينا اتصالات عديدة مع المسئولين فى كوريا الشمالية لمحاولة إقناعهم
بمراجعة موقفهم. لقد كان ذلك فى عطلة اعياد الميلاد وكنت أتابع الأمر من فندق كنت
أمضى فيه العطلة السنوية فيه مع عائلتى فى سريلانكا.. فى الوقت نفسه فقد كنت على
اتصال دائم بأعضاء مجلس محافظى الوكالة الدولية للطاقة الذرية فى
فيينا».
وطغت تطورات بيونج يانج على عطلة أسرة البرادعى، الذى انتهى الامر
به متواصلا فى أحاديث هاتفية وتصريحات صحفية بل وفى إصدار بيان لإدانة الموقف الذى
اتخذته كوريا الشمالية، حيث اعتبر «الخطوات التى اتبعتها كوريا الشمالية، مدعاة
للقلق من انتشار التسلح النووى بل إننى ذهبت لأبعد من ذلك واتهمت كوريا الشمالية
باتباع سياسة حافة الهاوية فيما يتعلق بالانتشار النووى».
انسحاب كوريا الشمالية من اتفاقية حظر الانتشار
وتتوالى
الضغوط الدبلوماسية والاتصالات مع كوريا الشمالية لإقناعها بالعدول عن قرارها ولكن
دون فائدة، وتقرر كوريا الشمالية أن تنسحب من اتفاقية حظر انتشار الأسلحة النووية،
ثم تقوم بإيقاف «عمل كل وسائل الفحص والمتابعة التى كانت الوكالة الدولية قد قامت
بوضعهم ثم تبع ذلك خطوات واضحة لتشغيل المنشآت النووية التى كانت محل التفتيش
الدولى».
وتتوالى الجهود سواء من البرادعى نفسه، كما يروى لقارئ «زمن
الخداع»، أو من الدول المعنية، خاصة دول جوار كوريا الشمالية، فى تأكيد جديد على
أهيمة دور دول الجوار لإقناع بيونج يانج بالعودة عن قرارها دون أفق واضح لتحقيق
ذلك.
التوجه إلى مجلس الأمن
وفى الصفحة
التالية يتحدث البرادعى عن إحالة ملف كوريا الشمالية إلى مجلس الامن، مشيرا إلى أن
«المجلس الأممى لم يقدم على اتخاذ أى خطوة بشأن هذا الملف، حيث كان المجلس مشغولا
كما بقية العالم فى الكارثة التى كانت فصولها تتداعى فى العراق». ويضيف: «كما أن
موقف الصين التى لها حق الفيتو والتى كانت تصر على أن حل ملف كوريا الشمالية وما
إليه من الملفات يتطلب الحوار والتفاوض دون صدور موقف من مجلس الامن بصدد الوضع فى
كوريا الشمالية».
استبعاد الوكالة
وكما يذكر
البرادعى فلم يكن للوكالة الدولية للطاقة الذرية «أى دور فى هذه المحادثات» بل أن
الوكالة «لم تعلم أى شىء عنها منذ الانسحاب الفعلى لكوريا الشمالية من اتفاقية حظر
انتشار الأسلحة النووية وسحب المفتشين الدوليين من هناك».
بل يقر البرادعى
أنه كثيرا ما كان يسعى من خلال مصادره المختلفة إلى الحصول على معلومات حول ما كان
يدور فى تلك المحادثات السداسية. ويقول: «فى الوقت نفسه أعلنت عن عدم ارتياحى عن
الطريقة التى تدار بها الأمور فى عدد من المحافل العامة، ومن بين ذلك وفى أثناء
إدلائى بمحاضرة امام مجلس العلاقات الخارجية، حيث قلت «إن ما يقلقنى إزاء كوريا
الشمالية أن ما يجرى أسوأ رسالة ممكنة للدول التى يمكن أن تفكر فى حيازة الاسلحة
النووية والرسالة مفادها انه إذا أرادت دولة أن تكون نووية، فلتحمى نفسها من أى
عقاب محتمل عليها أن تقوم بتطوير كبير وسريع لقدراتها النووية».
وعلى الرغم
من ذلك يؤكد المدير السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية أنه اختار أن يدعم
المباحثات السداسية، ذلك على الرغم مما كان يراه «طوال الوقت أن غياب ردة فعل دولية
جماعية إزاء ملف كوريا الشمالية يمثل سابقة شديدة الخطورة».
كوريا الشمالية والعراق
ولا يغفل البرادعى أن يقارن بين
حال التعامل مع كوريا الشمالية بالإصرار على التفاوض رغم رفض بيونج يانج إعادة
المفتشين وحال التعامل مع العراق بالاصرار على الحرب رغم تعاون بغداد مع فرق
التفتيش الدولية، بل أنه أبلغ مجلس المحافظين للوكالة الدولية للطاقة الذرية أن
الدولة التى لا تتحرك بسرعة لتطوير قدراتها النووية، فى إشارة إلى كوريا الشمالية،
قد تتعرض لحرب استباقية، كما كان الحال قد اصبح مع العراق.
وبالفعل فإن
استخدام بيونج يانج للشهور التالية لطرد المفتشين الدوليين فى تطوير قدراتها
النووية والاقتراب اكثر واكثر من مرحلة التسلح النووى قد دفع بها لرفع سقف مطالبها
حسبما يكشف «زمن الخداع».
ويقول البرادعى: «وفيما استطعت قراءته بين السطور
حول المحادثات السداسية فإن مطالب كوريا الشمالية مقابل وقف برنامجها النووى كانت
بالفعل قد تجاوزت الحصول على مفاعليين نوويين لأغراض سلمية من الولايات المتحدة
الأمريكية وانها اصبحت تشمل الحصول على المزيد من المعونة والتوصل لاتفاق حول حزمة
ضمانات أمنية إلى جانب تطبيع العلاقات مع واشنطن».
ويضيف البرادعى: «كما
كان باديا لى أن واشنطن، وبدرجة ما طوكيو، كانت تريد على الجانب الآخر أن تتحرك
بيونج يانج نحو تفكيك برنامجها النووى بدرجة تحول دون استعادة تفعيل دورة الوقود
النووية. بل أن الولايات المتحدة كانت تسعى لعدم حصول كوريا الشمالية على معونة
دولية قبل أن تقوم بيونج يانج باتخاذ خطوات جادة فى سبيل تفكيك برنامجها النووى
وتقديم ضمانات كافية فى هذا الشأن، أما الصين وروسيا وكوريا الجنوبية فبدو أميل
لموقف أقل تشددا يقوم على التبادلية بمعنى أنه كلما اتخذت كوريا الشمالية خطوة حصلت
على مكافئة لها».
السحب تنقشع ــ أو هكذا
تبدو
«وفجأة وبدون مقدمات بدأت السحب تنقشع حيث إن الجولة الرابعة
للمفاوضات التى كانت قد توقفت دون نتائج فى أغسطس من عام 2005 قد استؤنفت فى شهر
سبتمبر وتوصلت الاطراف الستة إلى اتفاق حول إعلان مشترك يحدد المبادئ التى سيتم
العمل على أساسها مع الوضع بالنسبة لكوريا الشمالية»، حسبما يروى البرادعى. ويضيف
أن الاعلان شمل اشارة إلى موافقة كوريا الشمالية التخلى عن برنامجها للتسلح النووى
والعودة إلى مظلة اتفاقية حظر انتشار الاسلحة النووية ونظام الضمانات الذى تقوم
الوكالة الدولية للطاقة الذرية بتنفيذه.
السبب فى هذا التطور، كما يحلل
البرادعى، هو تغير الموقف الامريكى والناجم بدوره عن اختراق صفوف المتشددين
الامريكين بشخصية ليست بعيدة بالضرورة عن التشدد ولكنها أيضا ليست بعيدة عن التعقل
والاتزان. ويقول: «أظن أن احد أهم الاسباب هو تولى كوندوليزا رايس منصب وزيرة
الخارجية الامريكية، فاستطاعت أن تقنع بوش ــ بعكس ما كان يقول به نائب الرئيس
الامريكى ديك تيشينى ومعاونيه ــ بأن هناك حاجة لتبنى نهج مختلف إزاء كوريا
الشمالية».
وبحسب رواية البرادعى: «بدا تأثير رايس واضحا ايضا فى اختيار
كريستوفر هيل رئيسا لوفد التفاوض الامريكى المشارك فى المباحثات السداسية، ثم ارتقى
هيل بعد ذلك بعدة اشهر ليكون مساعد وزير الخارجية الأمريكية لشئون الشرق الأدنى.
وكان هيل ديبلوماسيا يؤمن بالبراجماتية وكذلك بالبناء المتدرج للثقة واستطاع بالفعل
أن يتفاعل مع المسئولين فى كوريا الشمالية».
ويضيف البرادعى: «تمكن هيل من
تحقيق اختراقات واضحة مع المسئولين فى كوريا الشمالية للدرجة التى اخذ معها بعض
اليابانيين، على ما يبدو، يلقبونه مزاحا بكريس يونج ــ هيل، فى اقتباس عن اسم
الزعيم الكورى الشمالى وإشارة فى نفس الوقت إلى قدرته على التعاطى مع بيونج يانج
باللغة التى تقبلها وتتفهمها».
غير أن كل ذلك لم ينتج اتفاقية، وحسبما يروى
البرادعى فى ذات الفصل الثانى من كتابه «عادت المباحثات للتوقف ثانية وقامت
الولايات المتحدة الأمريكية بتجميد 25 مليون دولار تخص كوريا الشمالية فى احد
البنوك الأمريكية فى ماكو بدعوى أن هذه الأموال محولة فى إطار عمليات غير قانونية
ترتبط بعمليات لغسل الاموال وتزوير العملات النقدية».
التجربة النووية
«ومع دخول المفاوضات مرحلة جديدة من
التعرقل أعلنت كوريا الشمالية انها ستقوم بأولى تجاربها النووية، وهو ما كان بالفعل
فى التاسع من اكتوبر عام 2006 ــ أى بعد ستة ايام فقط من التهديد الصادر عن بيونج
يانج»، كما يتذكر البرادعى.
ويقول البرادعى إن الاختبار الذى اجرته بيونج
يانج لم يكن قويا بالضرورة ولكنه على الرغم من ذلك فإنه اثبت أن «كوريا الشمالية
على الرغم مما تعانيه من فقر وعزلة ووقوعها تحت التهديد الامريكى تمكنت من تحدى
العالم وتمكنت أيضا من أن تلتحق بالنادى النووى الذى كانت عضويته مقصورة على بلدان
قليلة من العالم».
وفى هذه اللحظة تحدثت شخصيات امريكية معلنة فشل إدارة
الرئيس جورج دبليو بوش فى إدارة أزمة ملف كوريا الشمالية النووى، كما يتذكر
البرادعى ببعض التفاصيل. وتحدث المتشددون أيضا عن ضرورة اتخاذ قرارات اكثر حدة تجاه
بيونج يانج، لكن ما تحدثت به رايس مع البرادعى نفسه كان بمثابة دعوة لدخول الوكالة
الدولية للطاقة الذرية على خط المباحثات ثانية.
ويقول البرادعى إن رده لرايس
جاء إيجابيا، حيث أشار إلى أن الوكالة تستطيع أن تبدأ «بالقيام ببعض مهام التفتيش
التى تكون محل اتفاق مع حكومة كوريا الشمالية، على أن تتوالى هذه العمليات وتتصاعد
فى مراحل لاحقة»، وهو ما اتفقت معه رايس.
وجاء قرار البرادعى، كما يروى فى
«زمن الخداع»، بالسفر إلى بيونج يانج متوائما مع جملة من الإشارات والاستجابات بين
واشنطن من بيونج يانج.
الغرفة الباردة
«وفى
مارس 2007، بدأت أول زيارة لى لكوريا الشمالية منذ نحو خمسة عشر عاما، إلا أن هذه
الزيارة بدأت بعثرة، حيث كنت قد تقدمت بطلب عبر الصين إلى السلطات فى كوريا
الشمالية لتشمل ترتيبات الزيارة لقاء لى مع الزعيم الكورى كيم جونج إيل، وعندما
توقفت فى بكين متوجها إلى بيونج يانج قال لى المسئولون الصينيون إن نظراءهم من
كوريا الشمالية ممتعضون لأننى لم أتوجه إليهم مباشرة بطلب لقاء الزعيم الكورى، خاصة
أن الدعوة لزيارتى كانت قد جاءت بمبادرة من بيونج يانج»، حسبما يكتب البرادعى فى
«زمن الخداع».
وفى الصفحات التالية يروى المدير السابق للوكالة الدولية
للطاقة الذرية تفاصيل زيارة فى أيام باردة لبيونج يانج واقامة فى غرفة باردة فى أحد
فنادقها المتواضعة الحال ومحادثات جاء بعض منها باردا أيضا مع المسئولين فى كوريا
الشمالية.
«بعد الترحيب بنا، تعرضنا لسلسة من المواقف غير المفهومة ــ ولم
يكن ذلك مستغربا بالنسبة لما هو معتاد من كوريا الشمالية، فعلى سبيل المثال تم
إلغاء موعد كان مقررا لنا مع نائب الوزير الكورى الذى يرأس وفد بلاده فى المباحثات
السداسية، وجاء ذلك الإلغاء فى اللحظة الاخيرة. ورغم أن الاعتذار جاء بسبب مرض
المسئول الكورى، غير أن التفسير الاعلامى لذلك كان معبرا عن الاعتقاد بعدم جدية
كوريا الشمالية فى التعاون مع الوكالة الدولية»، يروى البرادعى، مضيفا أنه لم يكن
واثقا إذا ما كان المترجم ينقل بدقة كل ما يقول إلى كبار المسئولين الكوريين أم إذا
ما كانت الترجمة تأتى بتصرف خشية من الإغضاب.
أوقات
أفضل
وعلى رغم من البرودة التى سيطرت على زيارة البرادعى لكوريا
الشمالية فإن ما تلاها كان معبرا عن أجواء أكثر دفئا فى تعامل العالم، خاصة
الولايات المتحدة الأمريكية مع كوريا الشمالية.
وبدأت دفة الأمور تدار
باتجاه أوقات أفضل، بل إن كوريا الشمالية، حسبما يروى البرادعى، دعت فرقا من وسائل
الاعلام الغربى لزيارة الموقع النووى الذى تم إغلاقه، وفى فبراير 2008 قامت كبيرة
المراسلين للشئون الخارجية فى شبكة سى.إن.إن الاخبارية الأمريكية ببث تقرير مباشر
من يونج ــ بيون، مشيرة إلى أن كوريا الشمالية «قد كشفت الغطاء النووى الذى كانت
تضعه».
السحب تعود
ولكن الإشارات الايجابية
لم تؤد بالضرورة لتحرك مستدام نحو التوصل إلى تفاهم سياسى ينهى أزمة ملف كوريا
الشمالية النووى، كما يقول البرادعى بتفاصيل ووقائع تقود القارئ نحو اللحظة
المحتومة التى تضيق فيها الدائرة ليبدأ الحديث ثانية عن تصاعد الحنق السياسى ومعه
استعادة الانشطة النووية لكوريا الشمالية.
«وعادت الأمور للتدهور مرة ثانية
مع صيف 2008، حيث تدهور العلاقات بين واشنطن وبيونج يانج بسبب غضب كوريا الشمالية
من عدم قيام الولايات المتحدة الأمريكية برفع كوريا الشمالية من على قائمة الدول
الراعية للإرهاب»، حسبما يقول البرادعى.
ويضيف: «وحسبما علمت فإن المتشددين
فى واشنطن كانوا يريدون الحصول على المزيد من كوريا الشمالية فى مقابل هذه الخطوة،
كانوا يريدون التريث حتى التحقق من دقة ما جاء فى إعلان كوريا الشمالية عن نشاطاتها
النووية حتى يقوموا برفع اسمها من على قائمة الدولية الراعية للإرهاب. غير أن كوريا
الشمالية بطبيعة الحال رأت فى ذلك تراجعا جديدا للولايات المتحدة الأمريكية عن
الوفاء بعهودها، فما كان من بيونج يانج إلا أن امرت بإعادة بعض الأجهزة للمواقع
التى كان تم اغلاقها وتم إبعاد مفتشى الوكالة عن الموقع فى يونج ــ بيون فى الثامن
من أكتوبر».
وبين شد وجذب تستمر العلاقات بين واشنطن وبيونج يانج، وذهاب
المفتشين الدوليين لكوريا الشمالية واضطرارهم لمغادرتها، استمر الحال ــ مع تدخلات
من الوكالة الدولية للطاقة الذرية أو أحد دول جوار كوريا الشمالية، بما فى ذلك
كوريا الجنوبية التى استطاع مسئولوها، حسبما يروى البرادعى، تجاوز العداء القائم مع
كوريا الشمالية للبحث عن المصلحة الحاكمة لدولتين هما فى النهاية لشعبين من
«الأشقاء».
ومع 25 مايو 2009، كانت كوريا الشمالية قد أجرت ثانى اختبار نووى
لها بنجاح، لتضع الكلمة الختامية بإقرار موقفها عضوا فى النادى النووى.
المهذب- عضو ذهبي
- رقم العضوية : 8
عدد المساهمات : 1344
نقاط : 2596
تاريخ التسجيل : 02/05/2011
الموقع : مصر ام الدنيا
الشروق تعرض كتاب زمن الخداع للبرادعى (3)
الشروق تعرض كتاب زمن الخداع للبرادعى
(3)
آخر تحديث: الثلاثاء 10 مايو 2011 2:26
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
دينا عزت -
إلى مايا، حفيدته ذات الأعوام
الثلاثة، يهدى محمد البرادعى، المرشح الرئاسى المصرى والحائز على جائزة نوبل
للسلام، كتابه الذى يحكى فيه قصة 12 عاما أمضاها على رأس الوكالة الدولية للطاقة
الذرية، بحثا عن تقويض انتشار مدمر للسلاح النووى وتخفيض لترسانات نووية قائمة
واستخدامات سلمية للطاقة النووية تسهم فى توليد الطاقة وعلاج السرطان ــ أى بحثا عن
عالم أفضل يحلم البرادعى أن يسوده الأمن من الدمار والسعى للنماء، عالم يريد أن
يتركه لهذه الحفيدة وحفيدات وأحفاد آخرين قد يكونون له يوما، ولأجيال من الأطفال،
من بينهم من يعنى به البرادعى بنفسه من خلال كفالة أيتام فى مناطق فقيرة فى
القاهرة، وبينهم أطفال فى العراق وإيران وكوريا الشمالية وغيرها يرى البرادعى أنهم
يستحقون عالما أفضل.
أربعة فصول كاملة وطويلة يخصصها البرادعى، من كتابه
«زمن الخداع»، بترتيب زمنى يفصل بعضها عن البعض، ليروى القصة المتلاحقة الفصول
لبرنامج إيران النووى، وذلك بعد أن روى القصة العراقية فى فصلين وقصة كوريا
الشمالية فى فصلين آخرين ــ دوما حسب التسلسل الزمنى الذى يتفاعل معه المدير السابق
للوكالة الدولية للطاقة الذرية مقارنا بين سياقات تعاطى المجتمع الدولى وقواه
العظمى.
فى فصول إيران، المعنونة ببساطة «تقية» و«غير مسموح بأى أجهزة طرد
على الإطلاق»، «إيران 2007 ــ 2008» و«إيران 2009»، وبعبارات محكمة الاختيار
وبتسلسل للوقائع لا يخلو من مداخلة لطرح التحليل أو إضافة خلفية يشرح البرادعى كيف
بدأت قصة الملف الإيرانى وكيف تحركت المباحثات والمكاتبات والزيارات بين طهران
وفيينا مقر الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
ناتنز
«فى منتصف عام 2002، وبينما العالم يواجه أزمتين
نوويتين، واحدة فى العراق والأخرى فى كوريا الشمالية، جاءت صور الأقمار الصناعية
التى تم التقاطها لمبنى خرسانى غير واضح المعالم فى مدينة ناتنز الواقعة بإقليم
أصفهان بإيران والتى توحى بأن هذا المبنى ربما يكون مستخدما لأغراض تخصيب
اليورانيوم». هكذا يفتتح البرادعى الحديث عن إيران فى الفصل الأول من فصولها
الثلاثة والذى يطلق عليه اسم «تقية» أى سياسة اتقاء الضرر وتفادى
العداء.
وبعد ذلك بأسابيع قليلة، كما يضيف البرادعى، عقد ممثلون عن المجلس
الوطنى الايرانى للمقاومة، وهو كيان ايرانى سياسى معارض، مؤتمرا صحفيا فى واشنطن
ليعلنوا عن قيام طهران ببناء منشآة نووية سرا فى ناتنز، لتبدأ أعمال الوكالة
الدولية للطاقة الذرية فى التحقق من هذه المعلومات، مع غلام رضا آغازاده، نائب رئيس
الجمهورية الايرانية ومدير المنظمة الوطنية للطاقة النووية فى إيران، وفى فيينا،
سبتمبر 2002، كان حديث البرادعى الأول، والذى تلته عشرات بل مئات الاحاديث، حول ملف
إيران النووى، كما يتابع قارئ «زمن الخداع».
«وعلى هامش الاجتماع انفردت
بآغازاده وسألته عن حقيقة المنشآة التى تم تصويرها فى نانتز وما إذا كانت فعلا
تستخدم لأغراض التخصيب، مقترحا انه ربما يجب أن اقوم مع بعض اعضاء الوكالة بزيارة
لهذا الموقع للتحقق من حقيقة ما يدور فيه»، يتذكر البرادعى، مضيفا ان محدثه
الأيرانى «أجاب بود قائلا: بالطبع سنوجه لكم الدعوة قريبا وعندئذ سيتم إيضاح كل
شىء».
ولكن الدعوة تأخرت «واستمرت المماطلة لشهور متتالية»، التقى خلالها
البرادعى مع وزير الخارجية الأمريكى كولين باول ومساعده ريتشارد آرميتاج ليخبرهما
بأن السياسة الأمريكية إزاء إيران والتى تقوم بالأساس على استخدام المقاطعة
والعقوبات على طهران لمنعها من تطوير اسلحة نووية، «ليست بالسياسة
المجدية».
وكان هذا هو التفكير الحاكم لنهج البرادعى إزاء الملف الإيرانى
وحتى مغادرته منصبه فى فيينا فى 2009 فى وقت لم يكن قد تم بعد فيه التوصل لحل لهذه
الإشكالية بناء على ما يصفه بإدراك قائم على الخبرات بـ«أن محاولة منع دولة ما من
الحصول على التكنولوجيا النووية إنما يستفز الحماسة الوطنية لدى هذه الدولة ويجعل
هدف الوصول إلى تطوير سلاحا نوويا هو أولوية قومية تسعى لها هذه الدولة بكل
طاقتها».
طهران ــ فيينا
وفى النهاية، قررت طهران
تقديم الدعوة. «وفى أول مقابلة أجريناها فى طهران أقر آغازاده والفريق المعاون له
أن المبنى قيد التساؤل فى نانتز هو بالفعل مبنى مخصص لتخصيب اليورانيوم، لكنهم
أصروا أنه لم يتم بناؤه بغرض إخفائه عن الوكالة الدولية للطاقة الذرية»، يقول
البرادعى.
وفى اليوم التالى توجه البرادعى وفريقه إلى الموقع النووى
وبرفقتهم آغازاده ونائبه محمد سعدى وعدد كبير من المهندسين والفنيين الإيرانيين.
وبحسب شهادة البرادعى فإن حجم الطموح الايرانى اتضح عند زيارة نانتز لأن «ما رأيناه
فى نانتز يتجاوز بكثير المفاعل النووى الذى قدمته روسيا لإيران فى
بوشهر».
وعقب زيارة نانتز جاء اللقاء مع الرئيس الإيرانى الإصلاحى محمد
خاتمى الذى، كما يصف البرادعى فى «زمن الخداع»، قدم الترحيب الحار وتحدث لدقائق
بالعربية قبل أن يبدأ السفير الايرانى فى فيينا على أكبر صالحى ترجمة ما قاله خاتمى
من تفاصيل حول البرنامج النووى استوقف البرادعى معرفة الرئيس الإيرانى بها بدقة
كبيرة.
وبعد حديث خاتمى بدأت سلسلة من اللقاءات والزيارات، ويقول البرادعى:
«أدركت مبكرا أننا بصدد التعامل مع فريق يبدو مستعدا للمرواغة لتحقيق أهدافه، وعلى
هذا قررت أننى لن أقبل بأية تأكيدات يقدمها الايرانيون بدون الحصول على الأدلة
الداعمة لهذه التأكيدات التى بدت ضرورية بصورة قطعية فى هذه الحالة».
تقية
«أخبرنى الكثيرون، بما فى ذلك الرئيس المصرى مبارك،
أن العقيدة الشيعية تسمح لاتباعها باستخدام المراوغة وسيلة لتحقيق الأهداف
المبتغاة. وقيل لى إن الكلمة المستخدمة فى هذا الصدد هى كلمة «تقية» ــ أى اتقاء
الضرر الذى قد يصيب الإنسان أو هؤلاء المسئول عنهم»، يقول البرادعى، مضيفا أنه من
جانبه أخبر «المسئولين الإيرانيين أنه بغض النظر عن الأسباب أو الأهداف وراء
مراوغتهم، فإن هذه المراوغة من شأنها أن تتسبب فى ضرر بالغ لعلاقتهم بالمجتمع
الدولى».
وما بين تقييم مبارك وآخرين، ونصيحة البرادعى، تصرف الإيرانيون،
حسبما يروى البرادعى، بقدر من الاقدام والادبار فى التعاون مع الوكالة الدولية
للطاقة الذرية. ولم يكن الأقدام والإدبار مقصورا على مراحل زمنية متتالية وتأثيرات
دولية متتابعة، خاصة ما يصدر من مواقف عن واشنطن وعواصم الاتحاد الأوروبى، بل أيضا
مرتبطا بدوائر مختلفة من دوائر صنع السياسة الإيرانية بها من هو أكثر تشددا وبها من
هو اكثر رغبة فى التصالح مع الواقع العالمى.
وبين هذه العواصم العالمية وبين
طهران، بدوائرها السياسية المختلفة يتحرك البرادعى ويتواصل بحثا عن حل سلمى للملف
الإيرانى النووى.
حقوق نووية
وفى كل
المباحثات، التى تصل فى مراحل كثيرة إلى مفاوضات، كانت النقطة الحاسمة للموقف
الإيرانى أن طهران من حقها، بوصفها دولة عضو فى اتفاقية حظر انتشار الأسلحة النووية
أن تمتلك كامل دورة الوقود النووى من ألفها إلى يائها، مع الأخذ فى الاعتبار أن
امتلاك كامل دورة الوقود النووى لا يرتبط بالضرورة بالاستخدامات العسكرية وكثيرا ما
يستخدم للأغراض السلمية، كما شرح البرادعى فى مقدمة كتابه «زمن الخداع». ولكن لأن
امتلاك كامل دورة الوقود النووى هو البوابة الأولى لامتلاك السلاح النووى لمن يريد،
فإن الغرب، ومن ورائه، أو ربما من أمامه، إسرائيل، يقف رافضا لممارسة إيران هذا
الحق، خاصة أن طهران لم تكاشف الوكالة الدولية للطاقة الذرية بكل نشاطتها النووية،
كما يسجل البرادعى.
«وبالنسبة لواشنطن فإن كذب إيران دليل دامغ على أنها
تسعى لتطوير اسلحة نووية»، يقول البرادعى، مضيفا فى ذات الفقرة «وبالطبع فإن الوصول
لمثل هذا الاستنتاج لم يكن لديه ما يؤيده من الدليل الفعلى»، سواء لدى الحكومات
الغربية الحانقة على سلوك إيران النووى أو لدى الوكالة الدولية للطاقة الذرية
المسئول الأول عن متابعة جميع النشاطات النووية للدول الأعضاء.
أيام وسنوات التفاوض
ولم تكن مهمة البرادعى فى حث إيران
على كشف كل أوراقها النووية سهلة، كما أن مهمته للتفاوض على حل يضمن لإيران الحصول
على الوقود النووى اللازم للأغراض السلمية لم يكن سهلا خصوصا أن قيادات إيرانية
كانت تجرى مفاوضات مع عواصم غربية، خاصة الأوروبية، دون تدخل مباشر أو حتى إخطار
وافٍ للوكالة الدولية للطاقة الذرية، وإن كانت فى المراحل الفاصلة تتم بتدخل حاسم
ومقترحات محددة من قبل المدير العام السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية الذى
يروى تفاصيل دقيقة عن التفاوض يسيطر عليها قلقه، خاصة بعد الحرب التى قادتها
الولايات المتحدة الأمريكية على العراق فى 2003، من تكرار تلك التجربة المأساوية
وخشيته فى الوقت ذاته من المدى الذى يمكن أن تذهب إليه المراوغات الايرانية، بالرغم
من تأكيده دوما فى «زمن الخداع» أن أحدا لم يأت بدليل على تورط إيران فى تطوير
برنامج للتسلح النووى، دون إغفال إشارات جديرة بالاهتمام انه «ربما» كان لدى إيران
نوايا تسلح نووى فى مراحل سابقة، خاصة عقب الحرب الطاحنة والطويلة التى دارت رحاها
بينها وبين العراق فى الثمانينات والتى استخدم صدام حسين خلالها أسلحة
كيميائية.
لقاء بوش
وحسبما يتابع قارئ «زمن
الخداع» فى الفصول الأربعة المخصصة لإيران فإن التعامل الأمريكى مع الملف الايرانى
كان فى الأغلب على مستوى رفيع للغاية، بما فى ذلك مستوى الرئيس الأمريكى نفسه. ولأن
سنوات البرادعى فى الوكالة الدولية للطاقة الذرية كانت متزامنة مع سنوات جورج دبليو
بوش فى البيت الأبيض.
«استقبلنى بوش بحديث ودود حول لعبة البيسبول التى أهتم
بها وأتابعها وتحدثنا قليلا عن أحد فرق هذه اللعبة الأمريكية»، يقول البرادعى حول
لقائه مع بوش حول إيران فى واشنطن فى مارس 2004.
لقاء بوش والبرادعى فى
واشنطن 2004، كما غيره من اللقاءات التالية بين الرئيس الأمريكى ومدير الوكالة
الدولية للطاقة الذرية، كان به دوما مزيج من العبارات الودودة ومقترحات من البرادعى
يبدى بوش حماسا لها وأعرب عن التوجس الشديد إزاء إيران من قبل الرئيس الامريكى،
يحاول البرادعى أن يهدئ منه فى ضوء ما لديه من معطيات تفيد بأنه على الرغم من
المراوغة الإيرانية فإنه لا دليل على سعى طهران لامتلاك السلاح النووى وبالنظر إلى
خشية لا يخفيها كثيرا صاحب «زمن الخداع» من أن ينفلت زمام الأمور وتقع ضربة عسكرية
ينقل عن بوش قوله فى ربيع 2004 أن إسرائيل قد تقوم بها ضد إيران ــ وكان البرادعى
يعلم كما يكرر أن صقور إدارة بوش داعمين لهذه الضربة.
«أكدت للرئيس بوش أن
إطلاق التهديدات فى وجه طهران لن يكفى والمهم أن تكون هناك أيضا أسباب لتحفيز إيران
على التعاون»، يقول البرادعى حول أول لقاء مارس 2004.
الحوار بين أمريكا وإيران
ويشدد البرادعى على أنه كثيرا ما
سعى لإقناع الولايات المتحدة الأمريكية بأهمية الدخول فى حوار مباشر مع إيران بوصف
أن تحقيق ذلك الحوار واحترام العزة والكرامة الإيرانية هما أمران أساسيان، حسب
تقديره المبنى على خبرات سابقة ومباحثات عديدة من مسئولين إيرانيين، للتوصل إلى
صفقة ما حول البرنامج الإيرانى النووى تمكن إيران من الحصول على مبتغاها التكنولوجى
وتطمأن الغرب بأن طهران ليست فى وارد امتلاك أسلحة نووية بل وتخلق نوعا من التفاهم
حول سياسات فى منطقة الشرق الأوسط الأوسع بين واشنطن وطهران بالنظر إلى المصالح
المشتركة والتأثير المتبادل فى بلدان مثل أفغانستان والعراق.
وبحسب فصول
البرادعى الأربعة حول إيران فإن آفاقا للحوار تفتحت فى مراحل مختلفة وحصلت على
درجات متفاوتة من الدعم من هذه الدائرة أو تلك فى العاصمة الأمريكية، ولكن المقاومة
الامريكية لهذا الحوار، بل والعرقلة من بعض الأطراف الإيرانية له، وأسباب أخرى يروى
البرادعى تفاصيلها حالت دون اكتمال هذا الحوار بالصورة التى يمكن أن تنجز اتفاقا.
والأسوأ من ذلك أن سيطرة المتشددين ــ الذين لا يضع البرادعى بوش ومستشارة الأمن
القومى فوزيرة الخارجية كوندوليزا رايس ضمنهم بالضرورة، فى واشنطن، وعدم ضبط
الاوروبيين وروسيا الذين دخلوا على خط التفاوض مع إيران لوقع الحوار مع طهران،
إضافة إلى استمرار المراوغة الإيرانية كثيرا ما تسببوا فى صدور قرارات متتالية من
مجلس الأمن بحق طهران وما يتبعه أو يسيقه ذلك من تعنت إيرانى إزاء التعاون مع
الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
الحملات على
البرادعى
وفى كل مرة كان البرادعى يقدم فيها على الدفع نحو فتح آفاق
للتسوية الدبلوماسية كان يبدو كما لو أنه يطأ على قدم أحدهم، فتنطلق الحملات ضده
مرة من طهران ومرة من واشنطن، والانتقاد دائما ــ كما كان الحال خلال التعامل مع
الملف العراقى ــ يأتى باتهام البرادعى بالتساهل مع إيران أو التواطؤ ضدها مع
امريكا. الصحف الايرانية تقول إن البرادعى شخص محبط ويقع تحت التأثيرات الأمريكية،
والصحف الامريكية تتهم البرادعى بالتجاوز عن سعى إيران لامتلاك السلاح النووى. ولا
تقتصر الحملات التى يتابع تفاصيلها قارئ «زمن الخداع» على الصحف ووسائل الإعلام بل
تشمل ايضا الدوائر الدبلوماسية من هنا ومن هناك.
وبالطبع فإن الصحف
الإسرائيلية شاركت فى الحملات على البرادعى بما فى ذلك ما نشرته صحيفة الجيروزاليم
بوست من اتهام للبرادعى بأنه لا يتمتع بالحياد أو التجرد فى التعامل مع الملف
الايرانى «وإننى لطالما كنت من اول المدافعين عن إيران بل وأننى استخدم صلاحياتى
للمساهمة فى نشر الطاقة النووية لأغراض الاستخدامات العسكرية».
تخصيب اليورانيوم
وبعد مضى أربع سنوات من التفاوض غير
المؤدى إلى حل وبين شد وجذب من ايران والغرب وارتفاع للاصوات المتشددة هنا وهناك
وصلت إيران إلى ما لم تكن إسرائيل وامريكا واى من حلفائها الغربيين يريدونها أن
تصل: تخصيب اليورانيوم، وهو الامر الذى أكد البرادعى فى مقدمة «زمن الخداع» أنه على
الرغم من كونه نقطة متطورة فى تشغيل دورة الوقود النووى فإنه لا يعنى بالضرورة
السعى الأكيد للسلاح النووى خاصة ان للتخصبيب درجات يتطلب الوصول إلى المراحل
المتطورة منه الكثير من العمل والوقت دونما ان يكون فى ذلك ايضا دليل على النوايا
العسكرية لأن هناك دولا تستخدم اليورانيوم المخصب بدرجة 90 بالمائة للأغراض
السلمية، كما يشرح مؤلف «زمن الخداع».
وفى أغسطس من 2006 أخبر البرادعى مجلس
المحافظين للوكالة الدولية للطاقة الذرية ان إيران قامت بالفعل بتخصيب اليورانيوم
بعد ان كانت واشنطن تصر على أن طهران ليس من حقها امتلاك «ولا جهاز واحد من أجهزة
الطرد المستخدمة فى التخصيب»، وبعد ان تبنى مجلس الامن، بناء على مبادرة أمريكية
بالأساس، قرارا مشددا للعقوبات على طهران، تحت الفصل السابع لميثاق الامم المتحدة
الذى يجيز استخدام القوة فى حال عدم الامتثال، فى وقت تزامن مع اشتعال لبنان بالحرب
التى شنتها إسرائيل فى 2006.
ويقول البرادعى: «إن فهم الجدل الذى أثير حول
الملف الايرانى النووى لا يمكن ان يتحقق دون نظرة أوسع لطبيعة الأمور المضطربة فى
الشرق الأوسط، خاصة بالنظر إلى الترسانة النووية التى تمتلكها إسرائيل ــ مع الأخذ
بالاعتبار ان اسرائيل ليست عضوا فى اتفاقية حظر انتشار الاسلحة النووية، وإن كان
ذلك لا يحول دون الشعور بوجود اختلال فى ميزان القوى فى المنطقة».
ويضيف
«وبينما فشلت جهود التوصل لتسوية دبلوماسية حول الملف النووى الإيرانى، تمكن إيران
من تقوية موقفها كقوة إسلامية فاعلة فى المنطقة واستغلت التطورات والأزمات فى
العراق وأفغانستان والمأساة الفلسطينية والحرب اللبنانية لتقوى الشعور السائد لدى
البعض بأن الغرب لديه انحياز ضد المسلمين. ولأن إيران ينظر لها على انها الدولة
الاسلامية الوحيدة التى استطاعت الوقوف فى وجه الغرب فإنه اصبح ينظر لها على أنها
نصر الحقوق الوطنية المهدرة للشعوب الإسلامية».
الفرص
الضائعة
ويرى البرادعى أن التوصل إلى تفاهم بين واشنطن وطهران
بمساعدة روسيا والدول الأوروبية والوكالة الدولية للطاقة الذرية لم يكن بالضرورة
امرا مستحيلا وأن تاريخ التفاوض حول الملف الإيرانى به الكثير من الفرص الضائعة،
ويرجع ذلك لأسباب عديدة يضع على رأسها سيادة منطق التشدد ولا يسقط منها تاريخ حديث
به ذكريات غير طيبة فى التعامل بين البلدين، خاصة ما يتعلق بما قامت به المخابرات
الأمريكية فى منتصف الخمسينيات من إسقاط لحكومة مصدق بغرض دعم الشاه وما قامت به
الجمهورية الإسلامية الإيرانية فى مطلع عهدها من احتجاز لرهائن فى السفارة
الأمريكية بطهران.
دول الجوار وتماهى الكثير منهم مع المواقف الامريكية إزاء
إيران يبدو أيضا من اسباب إضاعة بعض فرص التفاوض، حيث إن عواصم هذه الدول كانت
تتدخل أحيانا لدى قيادات دولية ساعية لإيجاد مخرج لوقف هذا الجهد، ومن ذلك ما يشير
البرادعى إلى أنه وقع فى صيف 2007 عندما أراد جاك شيراك ان يعمل مع مدير الوكالة
الدولية للطاقة الذرية حول مبادرة للتفاوض «وللأسف فإن دول الخليج ومصر بدلا من أن
تدعو لحل دبلوماسى كانت تلح على القاهرة فى ممارسة أقصى درجات الضغط على إيران، بل
إن الأمر وصل ببعض القادة العرب أن يطلب من شيراك عدم إرسال وزير خارجيته للتشاور
مع المسئولين الايرانيين.
وفيما فهمت فإن الفرنسيين أرادوا الابقاء على حسن
العلاقات مع اصدقائهم وكذلك الحفاظ على مصالحهم فى منطقة الخليج المتعلقة بعمل
شركات البترول الفرنسية هناك»، ذلك بينما كانت تسعى دول أخرى مثل سويسرا والسويد
لاستكشاف آفاق الحلول الدبلوماسية بما يحول دون المزيد من التدهور فى الموقف
السياسى ــ وهو ما كان بالفعل، حيث أصدر مجلس الامن قرارا جديدا يشدد ويوسع من نطاق
العقوبات المفروضة على طهران بينما كانت الأخيرة قد حققت المزيد من التقدم فى
امتلاك التكنولجيا النووية، الذى أصبح يصعب الرجوع عنه من خلال مبادرات تدعو لوقف
التخصيب أو تعليقه، وعاد الحديث عن العمل العسكرى ضد إيران يتردد.
ثم عاد
حديث التفاوض ثانية بمبادرات جاء بعضها من البرادعى وبعضها من طهران والبعض الاخر
من مجموعة الخمسة زائد واحد، ولكن دون أن يخلص أى منها إلى اتفاق ينهى الازمة رغم
جولات ولقاءات واحاديث دبلوماسية متوالية جرى بعضها فى المكتب المتواضع لعلى خامئنى
المرشد الاعلى للثورة الإسلامية فى طهران بينما الجميع يحتسى الشاى ويتناول الفواكه
المجففة وبعضها الآخر فى الأجواء الفخمة لمكاتب الإليزيه بباريس بينما الرئيس
الفرنسى نيكولا ساركوزى يحتسى قهوته ويتحدث على جانب من الغرفة فى هاتفه
الخلوى.
2009 ــ أوباما
جاءت إدارة أوباما
بدعوة لحوار اقرب مع دول العالم الإسلامى، وعاد الامال ترتفع فى التوصل لحل نهائى
للملف الإيرانى، حيث «وبدت الساحة مهيأة لصفحة جديدة»، وذهب البرادعى للقاء أوباما
والمشاركة فى مؤتمر دعا إليه الرئيس الأمريكى الجديد عن الأمن النووى حول العالم فى
سبتمبر 2009، وتناول الحديث إيران وأفكارا عن مبادرة جديدة أبدى اوباما تأييده لها
خاصة أنها كما قال للبرادعى «تحظى بتأييد إسرائيل».
لكن الصفحة الجديدة، وإن
كانت أقل توترا من سابقتها من صفحات الملف الايرانى، لم تنته أيضا بالخاتمة
المأمولة رغم جهود جادة بذلت وآفاق للحوار المباشر تفتحت، ليذهب البرادعى عن مكتبه
فى فيينا، الذى احتفظ خلاله بمنصبه لثلاث مدد متتالية بالرغم من عناد إدارة بوش،
بينما الملف الايرانى مازال عصيا عن الحل لأسباب بعضها يرتبط باستمرار غياب الثقة
وبعضها الآخر يرتبط باستمرار تأثير المتشددين فى طهران كما فى واشنطن، رغم تغيب
إدارة جورج دبليو بوش ولأن مجمل تعامل الغرب مع الملف الإيرانى بدا قائما على أن
«لأن الغرب لم يكن مستعدا لأن يقبل بأى شىء أقل من تنازل إيرانى كامل وتام وبدون أى
وسيلة للحفاظ على ماء الوجه»، وهو ما لم تكن طهران لتقبل به.
(3)
آخر تحديث: الثلاثاء 10 مايو 2011 2:26
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
دينا عزت -
إلى مايا، حفيدته ذات الأعوام
الثلاثة، يهدى محمد البرادعى، المرشح الرئاسى المصرى والحائز على جائزة نوبل
للسلام، كتابه الذى يحكى فيه قصة 12 عاما أمضاها على رأس الوكالة الدولية للطاقة
الذرية، بحثا عن تقويض انتشار مدمر للسلاح النووى وتخفيض لترسانات نووية قائمة
واستخدامات سلمية للطاقة النووية تسهم فى توليد الطاقة وعلاج السرطان ــ أى بحثا عن
عالم أفضل يحلم البرادعى أن يسوده الأمن من الدمار والسعى للنماء، عالم يريد أن
يتركه لهذه الحفيدة وحفيدات وأحفاد آخرين قد يكونون له يوما، ولأجيال من الأطفال،
من بينهم من يعنى به البرادعى بنفسه من خلال كفالة أيتام فى مناطق فقيرة فى
القاهرة، وبينهم أطفال فى العراق وإيران وكوريا الشمالية وغيرها يرى البرادعى أنهم
يستحقون عالما أفضل.
أربعة فصول كاملة وطويلة يخصصها البرادعى، من كتابه
«زمن الخداع»، بترتيب زمنى يفصل بعضها عن البعض، ليروى القصة المتلاحقة الفصول
لبرنامج إيران النووى، وذلك بعد أن روى القصة العراقية فى فصلين وقصة كوريا
الشمالية فى فصلين آخرين ــ دوما حسب التسلسل الزمنى الذى يتفاعل معه المدير السابق
للوكالة الدولية للطاقة الذرية مقارنا بين سياقات تعاطى المجتمع الدولى وقواه
العظمى.
فى فصول إيران، المعنونة ببساطة «تقية» و«غير مسموح بأى أجهزة طرد
على الإطلاق»، «إيران 2007 ــ 2008» و«إيران 2009»، وبعبارات محكمة الاختيار
وبتسلسل للوقائع لا يخلو من مداخلة لطرح التحليل أو إضافة خلفية يشرح البرادعى كيف
بدأت قصة الملف الإيرانى وكيف تحركت المباحثات والمكاتبات والزيارات بين طهران
وفيينا مقر الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
ناتنز
«فى منتصف عام 2002، وبينما العالم يواجه أزمتين
نوويتين، واحدة فى العراق والأخرى فى كوريا الشمالية، جاءت صور الأقمار الصناعية
التى تم التقاطها لمبنى خرسانى غير واضح المعالم فى مدينة ناتنز الواقعة بإقليم
أصفهان بإيران والتى توحى بأن هذا المبنى ربما يكون مستخدما لأغراض تخصيب
اليورانيوم». هكذا يفتتح البرادعى الحديث عن إيران فى الفصل الأول من فصولها
الثلاثة والذى يطلق عليه اسم «تقية» أى سياسة اتقاء الضرر وتفادى
العداء.
وبعد ذلك بأسابيع قليلة، كما يضيف البرادعى، عقد ممثلون عن المجلس
الوطنى الايرانى للمقاومة، وهو كيان ايرانى سياسى معارض، مؤتمرا صحفيا فى واشنطن
ليعلنوا عن قيام طهران ببناء منشآة نووية سرا فى ناتنز، لتبدأ أعمال الوكالة
الدولية للطاقة الذرية فى التحقق من هذه المعلومات، مع غلام رضا آغازاده، نائب رئيس
الجمهورية الايرانية ومدير المنظمة الوطنية للطاقة النووية فى إيران، وفى فيينا،
سبتمبر 2002، كان حديث البرادعى الأول، والذى تلته عشرات بل مئات الاحاديث، حول ملف
إيران النووى، كما يتابع قارئ «زمن الخداع».
«وعلى هامش الاجتماع انفردت
بآغازاده وسألته عن حقيقة المنشآة التى تم تصويرها فى نانتز وما إذا كانت فعلا
تستخدم لأغراض التخصيب، مقترحا انه ربما يجب أن اقوم مع بعض اعضاء الوكالة بزيارة
لهذا الموقع للتحقق من حقيقة ما يدور فيه»، يتذكر البرادعى، مضيفا ان محدثه
الأيرانى «أجاب بود قائلا: بالطبع سنوجه لكم الدعوة قريبا وعندئذ سيتم إيضاح كل
شىء».
ولكن الدعوة تأخرت «واستمرت المماطلة لشهور متتالية»، التقى خلالها
البرادعى مع وزير الخارجية الأمريكى كولين باول ومساعده ريتشارد آرميتاج ليخبرهما
بأن السياسة الأمريكية إزاء إيران والتى تقوم بالأساس على استخدام المقاطعة
والعقوبات على طهران لمنعها من تطوير اسلحة نووية، «ليست بالسياسة
المجدية».
وكان هذا هو التفكير الحاكم لنهج البرادعى إزاء الملف الإيرانى
وحتى مغادرته منصبه فى فيينا فى 2009 فى وقت لم يكن قد تم بعد فيه التوصل لحل لهذه
الإشكالية بناء على ما يصفه بإدراك قائم على الخبرات بـ«أن محاولة منع دولة ما من
الحصول على التكنولوجيا النووية إنما يستفز الحماسة الوطنية لدى هذه الدولة ويجعل
هدف الوصول إلى تطوير سلاحا نوويا هو أولوية قومية تسعى لها هذه الدولة بكل
طاقتها».
طهران ــ فيينا
وفى النهاية، قررت طهران
تقديم الدعوة. «وفى أول مقابلة أجريناها فى طهران أقر آغازاده والفريق المعاون له
أن المبنى قيد التساؤل فى نانتز هو بالفعل مبنى مخصص لتخصيب اليورانيوم، لكنهم
أصروا أنه لم يتم بناؤه بغرض إخفائه عن الوكالة الدولية للطاقة الذرية»، يقول
البرادعى.
وفى اليوم التالى توجه البرادعى وفريقه إلى الموقع النووى
وبرفقتهم آغازاده ونائبه محمد سعدى وعدد كبير من المهندسين والفنيين الإيرانيين.
وبحسب شهادة البرادعى فإن حجم الطموح الايرانى اتضح عند زيارة نانتز لأن «ما رأيناه
فى نانتز يتجاوز بكثير المفاعل النووى الذى قدمته روسيا لإيران فى
بوشهر».
وعقب زيارة نانتز جاء اللقاء مع الرئيس الإيرانى الإصلاحى محمد
خاتمى الذى، كما يصف البرادعى فى «زمن الخداع»، قدم الترحيب الحار وتحدث لدقائق
بالعربية قبل أن يبدأ السفير الايرانى فى فيينا على أكبر صالحى ترجمة ما قاله خاتمى
من تفاصيل حول البرنامج النووى استوقف البرادعى معرفة الرئيس الإيرانى بها بدقة
كبيرة.
وبعد حديث خاتمى بدأت سلسلة من اللقاءات والزيارات، ويقول البرادعى:
«أدركت مبكرا أننا بصدد التعامل مع فريق يبدو مستعدا للمرواغة لتحقيق أهدافه، وعلى
هذا قررت أننى لن أقبل بأية تأكيدات يقدمها الايرانيون بدون الحصول على الأدلة
الداعمة لهذه التأكيدات التى بدت ضرورية بصورة قطعية فى هذه الحالة».
تقية
«أخبرنى الكثيرون، بما فى ذلك الرئيس المصرى مبارك،
أن العقيدة الشيعية تسمح لاتباعها باستخدام المراوغة وسيلة لتحقيق الأهداف
المبتغاة. وقيل لى إن الكلمة المستخدمة فى هذا الصدد هى كلمة «تقية» ــ أى اتقاء
الضرر الذى قد يصيب الإنسان أو هؤلاء المسئول عنهم»، يقول البرادعى، مضيفا أنه من
جانبه أخبر «المسئولين الإيرانيين أنه بغض النظر عن الأسباب أو الأهداف وراء
مراوغتهم، فإن هذه المراوغة من شأنها أن تتسبب فى ضرر بالغ لعلاقتهم بالمجتمع
الدولى».
وما بين تقييم مبارك وآخرين، ونصيحة البرادعى، تصرف الإيرانيون،
حسبما يروى البرادعى، بقدر من الاقدام والادبار فى التعاون مع الوكالة الدولية
للطاقة الذرية. ولم يكن الأقدام والإدبار مقصورا على مراحل زمنية متتالية وتأثيرات
دولية متتابعة، خاصة ما يصدر من مواقف عن واشنطن وعواصم الاتحاد الأوروبى، بل أيضا
مرتبطا بدوائر مختلفة من دوائر صنع السياسة الإيرانية بها من هو أكثر تشددا وبها من
هو اكثر رغبة فى التصالح مع الواقع العالمى.
وبين هذه العواصم العالمية وبين
طهران، بدوائرها السياسية المختلفة يتحرك البرادعى ويتواصل بحثا عن حل سلمى للملف
الإيرانى النووى.
حقوق نووية
وفى كل
المباحثات، التى تصل فى مراحل كثيرة إلى مفاوضات، كانت النقطة الحاسمة للموقف
الإيرانى أن طهران من حقها، بوصفها دولة عضو فى اتفاقية حظر انتشار الأسلحة النووية
أن تمتلك كامل دورة الوقود النووى من ألفها إلى يائها، مع الأخذ فى الاعتبار أن
امتلاك كامل دورة الوقود النووى لا يرتبط بالضرورة بالاستخدامات العسكرية وكثيرا ما
يستخدم للأغراض السلمية، كما شرح البرادعى فى مقدمة كتابه «زمن الخداع». ولكن لأن
امتلاك كامل دورة الوقود النووى هو البوابة الأولى لامتلاك السلاح النووى لمن يريد،
فإن الغرب، ومن ورائه، أو ربما من أمامه، إسرائيل، يقف رافضا لممارسة إيران هذا
الحق، خاصة أن طهران لم تكاشف الوكالة الدولية للطاقة الذرية بكل نشاطتها النووية،
كما يسجل البرادعى.
«وبالنسبة لواشنطن فإن كذب إيران دليل دامغ على أنها
تسعى لتطوير اسلحة نووية»، يقول البرادعى، مضيفا فى ذات الفقرة «وبالطبع فإن الوصول
لمثل هذا الاستنتاج لم يكن لديه ما يؤيده من الدليل الفعلى»، سواء لدى الحكومات
الغربية الحانقة على سلوك إيران النووى أو لدى الوكالة الدولية للطاقة الذرية
المسئول الأول عن متابعة جميع النشاطات النووية للدول الأعضاء.
أيام وسنوات التفاوض
ولم تكن مهمة البرادعى فى حث إيران
على كشف كل أوراقها النووية سهلة، كما أن مهمته للتفاوض على حل يضمن لإيران الحصول
على الوقود النووى اللازم للأغراض السلمية لم يكن سهلا خصوصا أن قيادات إيرانية
كانت تجرى مفاوضات مع عواصم غربية، خاصة الأوروبية، دون تدخل مباشر أو حتى إخطار
وافٍ للوكالة الدولية للطاقة الذرية، وإن كانت فى المراحل الفاصلة تتم بتدخل حاسم
ومقترحات محددة من قبل المدير العام السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية الذى
يروى تفاصيل دقيقة عن التفاوض يسيطر عليها قلقه، خاصة بعد الحرب التى قادتها
الولايات المتحدة الأمريكية على العراق فى 2003، من تكرار تلك التجربة المأساوية
وخشيته فى الوقت ذاته من المدى الذى يمكن أن تذهب إليه المراوغات الايرانية، بالرغم
من تأكيده دوما فى «زمن الخداع» أن أحدا لم يأت بدليل على تورط إيران فى تطوير
برنامج للتسلح النووى، دون إغفال إشارات جديرة بالاهتمام انه «ربما» كان لدى إيران
نوايا تسلح نووى فى مراحل سابقة، خاصة عقب الحرب الطاحنة والطويلة التى دارت رحاها
بينها وبين العراق فى الثمانينات والتى استخدم صدام حسين خلالها أسلحة
كيميائية.
لقاء بوش
وحسبما يتابع قارئ «زمن
الخداع» فى الفصول الأربعة المخصصة لإيران فإن التعامل الأمريكى مع الملف الايرانى
كان فى الأغلب على مستوى رفيع للغاية، بما فى ذلك مستوى الرئيس الأمريكى نفسه. ولأن
سنوات البرادعى فى الوكالة الدولية للطاقة الذرية كانت متزامنة مع سنوات جورج دبليو
بوش فى البيت الأبيض.
«استقبلنى بوش بحديث ودود حول لعبة البيسبول التى أهتم
بها وأتابعها وتحدثنا قليلا عن أحد فرق هذه اللعبة الأمريكية»، يقول البرادعى حول
لقائه مع بوش حول إيران فى واشنطن فى مارس 2004.
لقاء بوش والبرادعى فى
واشنطن 2004، كما غيره من اللقاءات التالية بين الرئيس الأمريكى ومدير الوكالة
الدولية للطاقة الذرية، كان به دوما مزيج من العبارات الودودة ومقترحات من البرادعى
يبدى بوش حماسا لها وأعرب عن التوجس الشديد إزاء إيران من قبل الرئيس الامريكى،
يحاول البرادعى أن يهدئ منه فى ضوء ما لديه من معطيات تفيد بأنه على الرغم من
المراوغة الإيرانية فإنه لا دليل على سعى طهران لامتلاك السلاح النووى وبالنظر إلى
خشية لا يخفيها كثيرا صاحب «زمن الخداع» من أن ينفلت زمام الأمور وتقع ضربة عسكرية
ينقل عن بوش قوله فى ربيع 2004 أن إسرائيل قد تقوم بها ضد إيران ــ وكان البرادعى
يعلم كما يكرر أن صقور إدارة بوش داعمين لهذه الضربة.
«أكدت للرئيس بوش أن
إطلاق التهديدات فى وجه طهران لن يكفى والمهم أن تكون هناك أيضا أسباب لتحفيز إيران
على التعاون»، يقول البرادعى حول أول لقاء مارس 2004.
الحوار بين أمريكا وإيران
ويشدد البرادعى على أنه كثيرا ما
سعى لإقناع الولايات المتحدة الأمريكية بأهمية الدخول فى حوار مباشر مع إيران بوصف
أن تحقيق ذلك الحوار واحترام العزة والكرامة الإيرانية هما أمران أساسيان، حسب
تقديره المبنى على خبرات سابقة ومباحثات عديدة من مسئولين إيرانيين، للتوصل إلى
صفقة ما حول البرنامج الإيرانى النووى تمكن إيران من الحصول على مبتغاها التكنولوجى
وتطمأن الغرب بأن طهران ليست فى وارد امتلاك أسلحة نووية بل وتخلق نوعا من التفاهم
حول سياسات فى منطقة الشرق الأوسط الأوسع بين واشنطن وطهران بالنظر إلى المصالح
المشتركة والتأثير المتبادل فى بلدان مثل أفغانستان والعراق.
وبحسب فصول
البرادعى الأربعة حول إيران فإن آفاقا للحوار تفتحت فى مراحل مختلفة وحصلت على
درجات متفاوتة من الدعم من هذه الدائرة أو تلك فى العاصمة الأمريكية، ولكن المقاومة
الامريكية لهذا الحوار، بل والعرقلة من بعض الأطراف الإيرانية له، وأسباب أخرى يروى
البرادعى تفاصيلها حالت دون اكتمال هذا الحوار بالصورة التى يمكن أن تنجز اتفاقا.
والأسوأ من ذلك أن سيطرة المتشددين ــ الذين لا يضع البرادعى بوش ومستشارة الأمن
القومى فوزيرة الخارجية كوندوليزا رايس ضمنهم بالضرورة، فى واشنطن، وعدم ضبط
الاوروبيين وروسيا الذين دخلوا على خط التفاوض مع إيران لوقع الحوار مع طهران،
إضافة إلى استمرار المراوغة الإيرانية كثيرا ما تسببوا فى صدور قرارات متتالية من
مجلس الأمن بحق طهران وما يتبعه أو يسيقه ذلك من تعنت إيرانى إزاء التعاون مع
الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
الحملات على
البرادعى
وفى كل مرة كان البرادعى يقدم فيها على الدفع نحو فتح آفاق
للتسوية الدبلوماسية كان يبدو كما لو أنه يطأ على قدم أحدهم، فتنطلق الحملات ضده
مرة من طهران ومرة من واشنطن، والانتقاد دائما ــ كما كان الحال خلال التعامل مع
الملف العراقى ــ يأتى باتهام البرادعى بالتساهل مع إيران أو التواطؤ ضدها مع
امريكا. الصحف الايرانية تقول إن البرادعى شخص محبط ويقع تحت التأثيرات الأمريكية،
والصحف الامريكية تتهم البرادعى بالتجاوز عن سعى إيران لامتلاك السلاح النووى. ولا
تقتصر الحملات التى يتابع تفاصيلها قارئ «زمن الخداع» على الصحف ووسائل الإعلام بل
تشمل ايضا الدوائر الدبلوماسية من هنا ومن هناك.
وبالطبع فإن الصحف
الإسرائيلية شاركت فى الحملات على البرادعى بما فى ذلك ما نشرته صحيفة الجيروزاليم
بوست من اتهام للبرادعى بأنه لا يتمتع بالحياد أو التجرد فى التعامل مع الملف
الايرانى «وإننى لطالما كنت من اول المدافعين عن إيران بل وأننى استخدم صلاحياتى
للمساهمة فى نشر الطاقة النووية لأغراض الاستخدامات العسكرية».
تخصيب اليورانيوم
وبعد مضى أربع سنوات من التفاوض غير
المؤدى إلى حل وبين شد وجذب من ايران والغرب وارتفاع للاصوات المتشددة هنا وهناك
وصلت إيران إلى ما لم تكن إسرائيل وامريكا واى من حلفائها الغربيين يريدونها أن
تصل: تخصيب اليورانيوم، وهو الامر الذى أكد البرادعى فى مقدمة «زمن الخداع» أنه على
الرغم من كونه نقطة متطورة فى تشغيل دورة الوقود النووى فإنه لا يعنى بالضرورة
السعى الأكيد للسلاح النووى خاصة ان للتخصبيب درجات يتطلب الوصول إلى المراحل
المتطورة منه الكثير من العمل والوقت دونما ان يكون فى ذلك ايضا دليل على النوايا
العسكرية لأن هناك دولا تستخدم اليورانيوم المخصب بدرجة 90 بالمائة للأغراض
السلمية، كما يشرح مؤلف «زمن الخداع».
وفى أغسطس من 2006 أخبر البرادعى مجلس
المحافظين للوكالة الدولية للطاقة الذرية ان إيران قامت بالفعل بتخصيب اليورانيوم
بعد ان كانت واشنطن تصر على أن طهران ليس من حقها امتلاك «ولا جهاز واحد من أجهزة
الطرد المستخدمة فى التخصيب»، وبعد ان تبنى مجلس الامن، بناء على مبادرة أمريكية
بالأساس، قرارا مشددا للعقوبات على طهران، تحت الفصل السابع لميثاق الامم المتحدة
الذى يجيز استخدام القوة فى حال عدم الامتثال، فى وقت تزامن مع اشتعال لبنان بالحرب
التى شنتها إسرائيل فى 2006.
ويقول البرادعى: «إن فهم الجدل الذى أثير حول
الملف الايرانى النووى لا يمكن ان يتحقق دون نظرة أوسع لطبيعة الأمور المضطربة فى
الشرق الأوسط، خاصة بالنظر إلى الترسانة النووية التى تمتلكها إسرائيل ــ مع الأخذ
بالاعتبار ان اسرائيل ليست عضوا فى اتفاقية حظر انتشار الاسلحة النووية، وإن كان
ذلك لا يحول دون الشعور بوجود اختلال فى ميزان القوى فى المنطقة».
ويضيف
«وبينما فشلت جهود التوصل لتسوية دبلوماسية حول الملف النووى الإيرانى، تمكن إيران
من تقوية موقفها كقوة إسلامية فاعلة فى المنطقة واستغلت التطورات والأزمات فى
العراق وأفغانستان والمأساة الفلسطينية والحرب اللبنانية لتقوى الشعور السائد لدى
البعض بأن الغرب لديه انحياز ضد المسلمين. ولأن إيران ينظر لها على انها الدولة
الاسلامية الوحيدة التى استطاعت الوقوف فى وجه الغرب فإنه اصبح ينظر لها على أنها
نصر الحقوق الوطنية المهدرة للشعوب الإسلامية».
الفرص
الضائعة
ويرى البرادعى أن التوصل إلى تفاهم بين واشنطن وطهران
بمساعدة روسيا والدول الأوروبية والوكالة الدولية للطاقة الذرية لم يكن بالضرورة
امرا مستحيلا وأن تاريخ التفاوض حول الملف الإيرانى به الكثير من الفرص الضائعة،
ويرجع ذلك لأسباب عديدة يضع على رأسها سيادة منطق التشدد ولا يسقط منها تاريخ حديث
به ذكريات غير طيبة فى التعامل بين البلدين، خاصة ما يتعلق بما قامت به المخابرات
الأمريكية فى منتصف الخمسينيات من إسقاط لحكومة مصدق بغرض دعم الشاه وما قامت به
الجمهورية الإسلامية الإيرانية فى مطلع عهدها من احتجاز لرهائن فى السفارة
الأمريكية بطهران.
دول الجوار وتماهى الكثير منهم مع المواقف الامريكية إزاء
إيران يبدو أيضا من اسباب إضاعة بعض فرص التفاوض، حيث إن عواصم هذه الدول كانت
تتدخل أحيانا لدى قيادات دولية ساعية لإيجاد مخرج لوقف هذا الجهد، ومن ذلك ما يشير
البرادعى إلى أنه وقع فى صيف 2007 عندما أراد جاك شيراك ان يعمل مع مدير الوكالة
الدولية للطاقة الذرية حول مبادرة للتفاوض «وللأسف فإن دول الخليج ومصر بدلا من أن
تدعو لحل دبلوماسى كانت تلح على القاهرة فى ممارسة أقصى درجات الضغط على إيران، بل
إن الأمر وصل ببعض القادة العرب أن يطلب من شيراك عدم إرسال وزير خارجيته للتشاور
مع المسئولين الايرانيين.
وفيما فهمت فإن الفرنسيين أرادوا الابقاء على حسن
العلاقات مع اصدقائهم وكذلك الحفاظ على مصالحهم فى منطقة الخليج المتعلقة بعمل
شركات البترول الفرنسية هناك»، ذلك بينما كانت تسعى دول أخرى مثل سويسرا والسويد
لاستكشاف آفاق الحلول الدبلوماسية بما يحول دون المزيد من التدهور فى الموقف
السياسى ــ وهو ما كان بالفعل، حيث أصدر مجلس الامن قرارا جديدا يشدد ويوسع من نطاق
العقوبات المفروضة على طهران بينما كانت الأخيرة قد حققت المزيد من التقدم فى
امتلاك التكنولجيا النووية، الذى أصبح يصعب الرجوع عنه من خلال مبادرات تدعو لوقف
التخصيب أو تعليقه، وعاد الحديث عن العمل العسكرى ضد إيران يتردد.
ثم عاد
حديث التفاوض ثانية بمبادرات جاء بعضها من البرادعى وبعضها من طهران والبعض الاخر
من مجموعة الخمسة زائد واحد، ولكن دون أن يخلص أى منها إلى اتفاق ينهى الازمة رغم
جولات ولقاءات واحاديث دبلوماسية متوالية جرى بعضها فى المكتب المتواضع لعلى خامئنى
المرشد الاعلى للثورة الإسلامية فى طهران بينما الجميع يحتسى الشاى ويتناول الفواكه
المجففة وبعضها الآخر فى الأجواء الفخمة لمكاتب الإليزيه بباريس بينما الرئيس
الفرنسى نيكولا ساركوزى يحتسى قهوته ويتحدث على جانب من الغرفة فى هاتفه
الخلوى.
2009 ــ أوباما
جاءت إدارة أوباما
بدعوة لحوار اقرب مع دول العالم الإسلامى، وعاد الامال ترتفع فى التوصل لحل نهائى
للملف الإيرانى، حيث «وبدت الساحة مهيأة لصفحة جديدة»، وذهب البرادعى للقاء أوباما
والمشاركة فى مؤتمر دعا إليه الرئيس الأمريكى الجديد عن الأمن النووى حول العالم فى
سبتمبر 2009، وتناول الحديث إيران وأفكارا عن مبادرة جديدة أبدى اوباما تأييده لها
خاصة أنها كما قال للبرادعى «تحظى بتأييد إسرائيل».
لكن الصفحة الجديدة، وإن
كانت أقل توترا من سابقتها من صفحات الملف الايرانى، لم تنته أيضا بالخاتمة
المأمولة رغم جهود جادة بذلت وآفاق للحوار المباشر تفتحت، ليذهب البرادعى عن مكتبه
فى فيينا، الذى احتفظ خلاله بمنصبه لثلاث مدد متتالية بالرغم من عناد إدارة بوش،
بينما الملف الايرانى مازال عصيا عن الحل لأسباب بعضها يرتبط باستمرار غياب الثقة
وبعضها الآخر يرتبط باستمرار تأثير المتشددين فى طهران كما فى واشنطن، رغم تغيب
إدارة جورج دبليو بوش ولأن مجمل تعامل الغرب مع الملف الإيرانى بدا قائما على أن
«لأن الغرب لم يكن مستعدا لأن يقبل بأى شىء أقل من تنازل إيرانى كامل وتام وبدون أى
وسيلة للحفاظ على ماء الوجه»، وهو ما لم تكن طهران لتقبل به.
المهذب- عضو ذهبي
- رقم العضوية : 8
عدد المساهمات : 1344
نقاط : 2596
تاريخ التسجيل : 02/05/2011
الموقع : مصر ام الدنيا
الشروق تنشر زمن الخداع للبرادعى (4)
الشروق تنشر زمن الخداع للبرادعى (4)
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
آخر
تحديث: الاربعاء 11 مايو 2011 2:25 م
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
فى مذكراته عن سنوات ترؤس الوكالة الدولية للطاقة الذرية..
محمد البرادعى يتحدث عن قصة تخلى القذافى لأمريكا عن برنامجه للتسلح النووى الذى
حصل عليه من بازار عبدالقدير خان النووى.
«فى مايو 2003 وبينما كنا منشغلين
بالكشف عما تخفيه إيران فيما يتعلق ببرنامجها النووى، وفى أثناء لقاء جمعنى مع سفير
بريطانيا فى فيينا علمت أن أحد كبار مسئولى المخابرات البريطانية يشير إلى أنه ربما
هناك ما ينبغى التوجس بشأنه فى ليبيا وحسب ما نقله إلى السفير بالبريطانى فإن
المسئول المخابراتى أشار إلى مفاعل بحث نووى بمدينة تاجورا شرق طرابلس»، حسبما
يتذكر محمد البرادعى فى الفصل الذى يخصصه فى كتابه «زمن الخداع» حول
«ليبيا».
كما هو الحال فى كثير من المواقف التى تعرض لها المدير السابق
للوكالة الدولية للطاقة الذرية فإن الولايات المتحدة الأمريكية بدت متدخلة فى حجب
المعلومات اللازم إيصالها إليه، سواء من خلال المنع المباشر أو من خلال مطالبة
مسئولين من دول غربية أخرى، خصوصا بريطانيا، بحجب المعلومات ــ وهذا ما حدث مع
الملف الليبى، فلم تكتف واشنطن بأنها لم تخبر الوكالة الدولية للطاقة الذرية بما
وصل إليها من معلومات عن برنامج نووى ليبى محتمل، بل حالت أيضا دون أن تقدم
بريطانيا المعلومات لدى مطالبة البرادعى بها.
وبعد أيام جاء الخبر اليقين من
خلال رسالة من معتوق محمد معتوق نائب رئيس الوزراء الليبى لشئون العلوم
والتكنولوجيا الذى أخبر البرادعى أن وزير خارجية ليبيا على وشك الإعلان عن اعتزام
بلاده القيام بتفكيك برنامج لأسلحة الدمار الشامل كان بحوزتها.
ليبيا تشترى من البازار النووى
ثم ذهب معتوق لفيينا ليقدم
للبرادعى شيئا من التفاصيل. ويقول البرادعى: «وملخص القصة التى نقلها لى معتوق أن
ليبيا وبعد ما تعرضت له من قصف امريكى فى منتصف الثمانينيات قررت أن تطلق برنامجا
للتسلح الشامل وهو ما بدأت فيه بالفعل وأنها منذ سنوات تعمل على تطوير برنامج
للتسلح النووى.
وأشار إلى أن ليبيا حصلت على التكنولوجيا النووية والمواد
اللازمة لتطوير البرنامج من العالم النووى الباكستانى الشهير عبدالقادر خان ــ
المعروف بأنه قام ببيع الأسرار النووية للعديد من الجهات ــ ومن خلال شبكة من
الشركات والأفراد».
ثم يضيف ناقلا لقارئ «زمن الخداع» شعورا يمزج الضيق
والغضب والصدمة» وبينما كنت أستمع لمعتوق أدركت أن ما يخبرنى به لا يتعلق فقط بما
قامت به ليبيا للحصول على سلاح نووى ولكن بما يدور فى السوق السوداء للتكنولوجيا
والمواد النووية التى أدركت أنها موجودة بالفعل.
ولقد شمل حديث معتوق
إشارات إلى العديد من الدول فى أفريقيا وآسيا وأوروبا، بعضها يقوم بتقديم المعلومات
والبعض الآخر بالمواد، وكلها تتجسس على بعضها البعض».
وحسب ما يخبر البرادعى
قارئه فى الفصل المعنون «ليبيا» فإن مثار القلق والذهول والغضب لدى البرادعى ليس
بالضرورة المعلومات التى حجبت قسرا عن علم الجهة الأولى بالأخطار، وهى الوكالة
الدولية للطاقة الذرية، حول برنامج تسلح نووى محتمل بقدر ما كان قدرة خان على تسريب
الأسرار النووية لزبائن عبر أرجاء العالم، كل على قدر ما يدفع.
ويقول: «لم
يكن أحد يعلم على وجه الدقة عدد الأشخاص الذين نقل لهم عبدالقادر خان ما لديه من
معلومات ولا كيف قاموا بتطويرها وفى الوقت نفسه لم يكن هناك الكثيرون فى ليبيا من
يعلم المبالغ المالية التى حصل عليها خان نظير الخدمات التى قدمها لليبيا».
وبالتالى فإن السؤال الملح على أذهاننا جميعا كان يدور حول الدول أو ربما
حتى الجهات الأخرى التى استطاعت أن تحصل على هذه المعلومات من خلال الشبكة
المتعاملة مع عبدالقادر خان ومن خلال توفير الموارد المالية اللازمة لكى تدفع نظير
هذه الخدمات».
المفاوضات السرية
بين ليبيا
والغرب، خصوصا الولايات المتحدة الأمريكية، دارت مفاوضات سرية حول تخلى طرابلس عن
برنامجها النووى الذى كان مازال فى طور الإعداد لصالح واشنطن على أن تساعد الأخيرة
نظام القذافى فى إنهاء العزلة والعقوبات المفروضة على بلاده لسنوات طويلة، هكذا
أخبر معتوق البرادعى، وأضاف، حسبما يذكر الأخير، أن ليبيا أرادت أن تخبر الوكالة
الدولية للطاقة الذرية ولكن الولايات المتحدة الأمريكية رفضت ذلك.
«ولم أعلق
بشىء على تلك الملاحظة الأخيرة على الرغم من أننى عدلت من وضع جلوسى قليلا»، حسبما
يتذكر البرادعى.
ولم يحصل البرادعى من واشنطن ولندن سوى على كلمات اعتذار
باهتة وحجج تتعلق بالحرص على ألا تفشل المفاوضات قبل الوصل لاتفاق نهائى وهى
الاعتذارات والحجج التى لم تكن لتقنع مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية الذى كانت
خشيته كبيرة من عملاء البازار لم يكونوا بالضرورة يقتصرون على ليبيا.
«وفى
الوقت نفسه فإننى كنت أفكر فى مسألة التفتيش التى لم تكن تتيح للوكالة الدولية
للطاقة الذرية المزيد من المعلومات حول ما كان يحدث بوصف أن ليبيا هى عضو فى
اتفاقية حظر انتشار الأسلحة النووية..
وقررت أن أتخذ موقفا إيجابيا إزاء كل
ما يجرى فاصطحبت فريقا من خبراء الوكالة الدولية للطاقة الذرية وتوجهنا إلى طرابلس
لزيارة استغرقت الأيام القليلة التى تفصل بين الكريسماس ورأس السنة» يتذكر
البرادعى، مضيفا: «وفى تصريحات صحفية حول ما رأيت فى ليبيا وصفت حال البرنامج
النووى لطرابلس بأنه فى أولى مراحله».
لقاء
القذافى
ثم جاءت الدعوة للبرادعى للقاء القذافى فى ثكنة العزيزية
العسكرية بالقرب من طرابلس. «وانتظرت لقاء القذافى فى غرفة باردة وكنت أتمنى فى هذه
اللحظات أن أرتدى معطفى.. وتم اصطحابى إلى غرفة جيدة التدفئة بها القليل من الأثاث
ومكتب كبير ومكتبة واسعة بها مجموعة قليلة من الكتب العربية المتناثرة على
رفوفها.
وخلف هذا المكتب كان العقيد القذافى يجلس مرتديا جلبابا ليبيا
تقليديا»، حسبما يروى البرادعى.
ثم يضيف: «تحدث القذافى بصورة ألطف مما توقعت
وجاء حديثه به قدر من الود وأيضا قدر من التحفظ».
وحسب رواية البرادعى فإن
القذافى أبدى اندهاشه من كراهية الحكومة المصرية للبرادعى، مشيرا لمحاولة من النظام
المصرى إثناء ليبيا عن التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
ثم سأل
القذافى البرادعى عما إذا كان ناصريا، «فأجبته بالنفى وهى الإجابة التى ربما خيبت
آماله لأنه كان ينظر لناصر على أنه النموذج الأعلى».
ثم تحدث القذافى عن
قراره إنهاء برنامج التسلح النووى ورغبته فى إعطاء ليبيا المكانة التى تستحقها
وحماسه لتحقيق نقلة حقيقية فى حياة الليبين.
ويقول البرادعى «والحقيقة أن
القذافى تحدث بحماس خلال هذا اللقاء عن رغبته فى تطوير ليبيا وتحدث عن رغبته فى
تحسين البنية التحتية وبناء المزيد من الطرق وكذلك عن رغبته فى أن يحصل الطلاب
الليبين على منح دراسية فى الجامعات الغربية وان تحقق ليبيا تقدما فى مجال العلوم
والتكنولوجيا». ويضيف: «وسألنى القذافى عما إذا كنت أستطيع أن أثير هذه الأمور مع
جورج بوش وتونى بلير لأحصل على دعمهما لأفكاره بالنسبة لمستقبل
ليبيا».
التفكيك
ثم جاءت مرحلة عمل الوكالة
الدولية للطاقة الذرية ومفتشيها لتفكيك ما كانت ليبيا قد حققته بالفعل من برنامج
التسلح النووى واستمرار متابعة هذا الملف، ولكن التدخلات الأمريكية والبريطانية لم
تتوقف بل وصلت إلى حد السعى لإرسال خبراء من واشنطن ولندن ليقوموا هم بعملية تفكيك
البرنامج وهو العمل الذى من المفترض أن تقوم به الوكالة الدولية للطاقة
الذرية.
ويقول البرادعى: «كنت سئمت من تلك الألاعيب وقررت أننى لن أبقى
صامتا وسأتحدث فى الأمر علانية إذا ما أصرت بريطانيا والولايات المتحدة على المضى
قدما فى عرقلة عمل الهيئات الدولية» مشيرا إلى أنه نقل تهديدا صريحا إلى واشنطن
ولندن حول اعتزامه إخطار مجلس محافظى الوكالة بصورة علنية بأن بريطانيا والولايات
المتحدة الأمريكية تعوقان قيامه بمسئولياته القانونية.
فاتصل بالبرادعى
كولين باول وزير الخارجية الأمريكى ليخبره أنه سيرسل إليه مبعوثا للنقاش معه فى
رغبة أمريكا وبريطانيا فى الاشتراك فى عملية تفكيك البرنامج النووى الليبى «وقال لى
باول: ينبغى علينا أن نحترم ما لديك من قدرات.. وبالطبع نحن أيضا لدينا
قدراتنا».
وبعد تسوية الخلافات خلال لقاء جمع البرادعى والمتشدد الأمريكى
جون بولتون فى لقاء تحسب إزاءه البرادعى لما عرف عن بولتون من رفض لآليات عمل
الدبلوماسية متعددة الأطراف، استمر عمل مفتشى الوكالة فى ليبيا فى أجواء يقول
البرادعى إنها مثلت «تغييرا إيجابيا بالمقارنة بالتجارب التى مررنا بها فى العراق
وكوريا الشمالية وإيران» بالنظر إلى التعاون الكامل من قبل الليبين.
مصر ــ ليبيا
وخلال متابعته لتفكيك برنامج التسلح النووى
الليبى كان البرادعى شاهدا على التوتر فى العلاقات المصرية الليبية جراء غضب
القاهرة من أن طرابلس قد أخبرت الرئيس المصرى حسنى مبارك نفسه بأنها ليس لديها أى
أسلحة نووية وهو ما دفع الأخير للحديث علنا عن هذا الأمر، مما أثار غضب مبارك عندما
تم الإعلان عن البرنامج النووى الليبى وتفكيكه وإرسال معداته إلى الولايات المتحدة
الأمريكية حيث قامت وسائل الإعلام الغربية بتصويرها ــ فى واقعة أثارت حفيظة
الليبين أنفسهم ودفعتهم لمطالبة البرادعى بالتدخل لدى الرئيس الأمريكى جورج بوش
لاتخاذ قرار بوقف تلك الحملة الإعلامية.
«من جانبهم كان لدى المسئولين
الليبين الكثير من النقد حول أداء النظام الرسمى المصرى، خصوصا فيما أشاروا إليه من
«تقدم مبارك فى العمر بدرجة لم يعد من الممكن معها أن يقدم الكثير سواء على الصعيد
الداخلى لمصر أو للعالم العربى». وعلق أحدهم قائلا: أنت تعلم أهمية مصر من حيث
قيادة العالم العربى، فإذا توقفت القيادة المصرية فإن العالم العربى لا يتحرك
كثيرا، أما إذا تحركت مصر للأمام فإن العالم العربى سيحذو نفس الحذو»، يقول
البرادعى.
سيف الإسلام ضيفًا على
البرادعى
بمبادرة من شكرى غانم، رئيس وزراء ليبيا قبل البرادعى
استضافة سيف الإسلام القذافى بوصفه ثانى أبناء العقيد القذافى، والمسئول عن التوصل
للاتفاقية بين ليبيا وأمريكا وبريطانيا حول برنامج ليبيا لأسلحة الدمار
الشامل.
ويقول البرادعى: «وعندما وصلا إلى منزلى قام غانم بتقديم سيف
الإسلام ثم انصرف، وكان واضحا أن سيف الإسلام كان يسعى للحصول على النصيحة حول جملة
من القضايا، وبدأ بطرح أسئلة حول صورة ليبيا فى الولايات المتحدة الأمريكية وفى
الغرب عموما».
الإرهابيون والسلاح
النووى
«لقد مثل الكشف عن الشبكة السرية لعبدالقدير خان ثالث تطور
فيما يتعلق بحال الوضع النووى حول العالم، ولقد كان التطور الأولى هو خرق دول أعضاء
فى اتفاقية حظر الانتشار النووى لالتزاماتها المقررة حسب الاتفاقية، بسعيها سرا
لتطوير أسلحة نووية، أما الثانى فكان بقيام الإرهابيين بتفجيرات الحادى عشر من
سبتمبر وهو ما جعل الكثيرين يتوقفون أمام هذا الأمر ويفكرون أن من لديه القدرة على
القيام بمثل هذا العمل المنظم يمكن له أيضا أن يضع يديه على قنبلة تقليدية بها مواد
مشعة أو حتى مواد نووية ــ وهذه القنبلة وإن لم تكن قنبلة نووية إلا أن لها قدرة
تدميرية وآثارا جانبية لا يستهان بها.
ولقد زاد القلق من سيناريو وضع
الإرهابيين أيديهم على مواد نووية عندما تم الكشف عن دلائل تفيد بمحاولة القاعدة
الحصول على أسلحة دمار شامل»، حسبما يقول البرادعى فى فصل يخصصه للبازار النووى
لعبدالقدير خان.
ويقول البرادعى: «وإن الكابوس الذى يواجهنى هو أن خان الذى
يقدم التكنولوجيا والمعلومات بل المواد النووية لمن يدفع، ربما قدم هذه الخدمات
لبعض المجموعات المتطرفة فى شمال أفغانستان ــ وهذا الأمر ليس بمجرد السيناريو
الأسود غير وارد الحدوث لأن التطور الذى بلغه أداء بعض هذه المجموعات يشير إلى أنه
يمكن أن تكون قد حصلت على خدمات خان، أو بعض منها».
ويضيف «تمثلت ردة فعل
المجتمع الدولى على هذا الأمر فى اتخاذ سلسلة متصاعدة من الإجراءات المتعلقة بكيفية
حماية الدول لمنشآتها النووية وللمواد المشعة التى بحوزتها. وفى خلال شهور ارتفعت
ميزانية الوكالة الدولية للطاقة الذرية المخصصة لأغراض الأمان النووى من مليون
دولار إلى 30 مليون دولار»، وذلك بالرغم مما يشير إليه من خلاف دولى، خاصة بين
الشمال والجنوب، حول استراتيجيات ضمان تحقيق الأمان النووى.
عبدالقدير خان
«ولكن السؤال هو: ما الذى يدفع شخصا مثل
عبدالقدير خان ليقوم بما قام به، والإجابة تأتى مما قاله خان نفسه عن ذكريات طفولته
فى الهند حيث ذكر أنه شاهد مذبحة للمسلمين على أيدى الغالبية الهندوسية، وبعد فترة
ليست بالطويلة غادر خان الهند مهاجرا مع أسرته إلى باكستان حيث استقر هناك منذ عام
1947، عندما تم تقسيم الهند إلى الهند وباكستان. وبعد نحو عقدين وعندما كان خان
يدرس فى بلجيكا للحصول على درجة الدكتوراة وقعت باكستان فى قبضة حرب طاحنة مع الهند
تعرض خلالها الجيش الباكستانى لهزيمة ساحقة تم معها اقتطاع جزء من شرق باكستان
لتصبح بنجلادش. وفى عام 1971 عندما قامت الهند بأولى تفجيراتها النووية كان خان
يعمل لدى إحدى الشركات العاملة فى مجال تخصيب اليورانيوم وهى شركة تجمع مساهمين من
بريطانيا وألمانيا الغربية وهولندا وتقوم بالأساس بإنتاج أنواع متطورة من أجهزة
الطرد المستخدمة لتخصيب اليورانيوم، وهى الشركة التى سرعان ما أصبحت لاعبا مهما فى
سوق الوقود النووى»، هكذا يكتب البرادعى فى كتابه «زمن الخداع» عن العالم النووى
الباكستانى الذى أثارت أنشطته قلقا دوليا واسعا كونه حول التكنولوجيا والمعدات
النووية إلى سلع يبيعها لمن هو مستعد لأن يدفع الثمن المطلوب.
ثم يضيف فى
الفصل ذاته: «ولا يمكن لأحد أن يحكم على وجه التحديد من توالى فصول هذه القصة عما
إذا كان الدافع وراء تصرفات خان مرتبطا بالانتماءات الوطنية أو الرغبة فى دعم
المسلمين الذين رآهم يتعرضون للظلم أو بمجرد الطموحات الشخصية، لكن الأكيد أنه قام
بما قام به لسبب أو لآخر، ولم تتمكن الوكالة الدولية للطاقة الذرية أبدا من استجواب
خان حتى تستطيع ان تكوّن تصورًا وراء أهدافه.
لقد عاد خان إلى باكستان وسخرت
له الموارد والإمكانات اللازمة التى استطاع على أساسها أن يحقق نقلة كبرى فى قدرات
باكستان النووية.
ولقد لجأ خان فى مهمته هذه لاستخدام معلومات وتكنولوجيا
استحوذ عليها بطريقة غير قانونية، كما استخدم خان أيضا الموارد التى أتاحتها السوق
النووية السوداء والتى بدأت فى التوسع منذ الثمانينيات ــ وإلى جانب تطوير القدرات
النووية الباكستانية فإن خان استطاع أن يحقق لنفسه ثروة تقدر بـ400 مليون دولار.
واستمر خان فى عمله هذا لمدة سنوات وعندما تم كشف ما يقوم به فإن الشبكة التى كونها
كانت قد توسعت وتوغلت بشكل كبير على المستوى الدولى».
ثم يتحدث المدير
السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية عن محاولة تعقب أثر أنشطة خان والأشخاص
والأطراف والشركات والبلدان المتورطة فيها من خلفيات وانتماءات
مختلفة.
لننقذ أنفسنا
ويكتب البرادعى «فى 12
فبراير 2004 نشرت مقالا فى النيويورك تايمز تحت عنوان: «لننقذ أنفسنا من الدمار»
أشرت فيه إلى شبكة خان لنشر المواد والتكنولوجيا النووية، مؤكدا أن الأسواق تنفتح
أكثر فأكثر أمام هذه الشبكة. وفى المقال نفسه اقترحت مجموعة من الإجراءات لمواجهة
الانتشار النووى من بينها تكثيف الرقابة على تصدير المواد والمعدات المشتبه فى
استخدامها لأغراض نووية، وتوسيع دائرة انضمام الدول للبروتوكول الإضافى لمعاهدة حظر
انتشار الأسلحة النووية الذى يمنح الوكالة الدولية حقا أوسع فى القيام بأعمال
التفتيش وتقصى الحقائق ومنع الانسحاب من معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية والتحرك
نحو التوقيع على معاهدة كان قد تم اقتراحها فى إطار الجمعية العامة للأمم المتحدة
فى عام 1993 لحظر تطوير المواد النووية إلى الدرجة التى يمكن معها استخدامها فى
تصنيع أسلحة نووية، وكذلك فرض المزيد من الضمانات على تحرك المواد النووية بالإضافة
إلى وضع خارطة طريق لتخلى الدول النووية عن أسلحتها النووية».
وحسبما يضيف
البرادعى فى «زمن الخداع» فإن الكثير من الأفكار الواردة فى هذا المقال تم تبنيها
من قبل جورج دبليو بوش فى خطاب ألقاه لاحقا حول العمل من أجل اقتراح حزمة من
الإجراءات المتعلقة بمجابهة انتشار الأسلحة النووية.
ويقول إنه «فى المجمل
فإن مقترحات بوش هدفت لسد الكثير من الثغرات التى استطاعت من خلالها شبكة خان
الانهماك فى عمل سرى موسع لنشر الأسلحة النووية بصورة غير قانونية وغير خاضعة
للرقابة والمتابعة الدولية».
ويلفت البرادعى إلى تبنى مجلس الأمن لاحقا
القرار رقم 1540 الذى يطالب من الدول التعامل بحسم مع الأفراد الذين يسعون بأى
طريقة لنشر أسلحة الدمار الشامل، وإلى عمل الأمريكيين بعد هذا الخطاب لمدة عامين
لإيجاد الدعم لفكرتها الخاصة بإنشاء جهة خاصة للمتابعة والتحقق «وهى الفكرة التى لم
تكن تخلو من وجاهة من حيث المبدأ وإن كان الأمر يتعلق بطرق تطبيقها، وبالفعل تم
تشكيل هذه الهيئة ولكن بقاءها كان قصيرا بسبب الخلافات المتوقعة حول العدالة التى
تتوخاها، أو غياب هذه العدالة، فيما يتعلق بالدول الغنية فى الشمال والدول الفقيرة
فى الجنوب».
الدروس الثلاثة
وبحسب ما يخلص
إليه البرادعى فى الفصل المخصص لقصة عبدالقدير خان فإن هناك ثلاثة دروس يجب
الاعتبار بها من هذه القصة.
الدرس الأول، يقول البرادعى إنه «يتعلق بالدور
الذى لعبته إسرائيل فى الشرق الأوسط والهند فى جنوب آسيا وهو أنه عندما تسعى دولة
ما فى منطقة ما للحصول على السلاح النووى فإن ذلك يستتبعه سعى دول أخرى فى نفس
المنطقة لامتلاك السلاح النووى».
أما الدرس الثانى الذى يشير إليه فهو أن
«محاولة مجابهة انتشار الأسلحة النووية من خلال فرض المزيد من الأحكام على نقل
الخبرة النووية هو أمر مهم ولكنه لم يعد كافيا لأن التكنولوجيا النووية أصبحت
بالفعل فى يد الكثيرين».
أما الدرس الثالث حسبما يخلص البرادعى فهو أن
«استمرار حيازة البعض للأسلحة النووية واعتبار هذه الأسلحة سببا من أسباب القوة
والمنعة فإن المزيد من الدول ستستمر فى السعى لأن يكون لها هى أيضا نفس هذه
الأسلحة».
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
آخر
تحديث: الاربعاء 11 مايو 2011 2:25 م
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
فى مذكراته عن سنوات ترؤس الوكالة الدولية للطاقة الذرية..
محمد البرادعى يتحدث عن قصة تخلى القذافى لأمريكا عن برنامجه للتسلح النووى الذى
حصل عليه من بازار عبدالقدير خان النووى.
«فى مايو 2003 وبينما كنا منشغلين
بالكشف عما تخفيه إيران فيما يتعلق ببرنامجها النووى، وفى أثناء لقاء جمعنى مع سفير
بريطانيا فى فيينا علمت أن أحد كبار مسئولى المخابرات البريطانية يشير إلى أنه ربما
هناك ما ينبغى التوجس بشأنه فى ليبيا وحسب ما نقله إلى السفير بالبريطانى فإن
المسئول المخابراتى أشار إلى مفاعل بحث نووى بمدينة تاجورا شرق طرابلس»، حسبما
يتذكر محمد البرادعى فى الفصل الذى يخصصه فى كتابه «زمن الخداع» حول
«ليبيا».
كما هو الحال فى كثير من المواقف التى تعرض لها المدير السابق
للوكالة الدولية للطاقة الذرية فإن الولايات المتحدة الأمريكية بدت متدخلة فى حجب
المعلومات اللازم إيصالها إليه، سواء من خلال المنع المباشر أو من خلال مطالبة
مسئولين من دول غربية أخرى، خصوصا بريطانيا، بحجب المعلومات ــ وهذا ما حدث مع
الملف الليبى، فلم تكتف واشنطن بأنها لم تخبر الوكالة الدولية للطاقة الذرية بما
وصل إليها من معلومات عن برنامج نووى ليبى محتمل، بل حالت أيضا دون أن تقدم
بريطانيا المعلومات لدى مطالبة البرادعى بها.
وبعد أيام جاء الخبر اليقين من
خلال رسالة من معتوق محمد معتوق نائب رئيس الوزراء الليبى لشئون العلوم
والتكنولوجيا الذى أخبر البرادعى أن وزير خارجية ليبيا على وشك الإعلان عن اعتزام
بلاده القيام بتفكيك برنامج لأسلحة الدمار الشامل كان بحوزتها.
ليبيا تشترى من البازار النووى
ثم ذهب معتوق لفيينا ليقدم
للبرادعى شيئا من التفاصيل. ويقول البرادعى: «وملخص القصة التى نقلها لى معتوق أن
ليبيا وبعد ما تعرضت له من قصف امريكى فى منتصف الثمانينيات قررت أن تطلق برنامجا
للتسلح الشامل وهو ما بدأت فيه بالفعل وأنها منذ سنوات تعمل على تطوير برنامج
للتسلح النووى.
وأشار إلى أن ليبيا حصلت على التكنولوجيا النووية والمواد
اللازمة لتطوير البرنامج من العالم النووى الباكستانى الشهير عبدالقادر خان ــ
المعروف بأنه قام ببيع الأسرار النووية للعديد من الجهات ــ ومن خلال شبكة من
الشركات والأفراد».
ثم يضيف ناقلا لقارئ «زمن الخداع» شعورا يمزج الضيق
والغضب والصدمة» وبينما كنت أستمع لمعتوق أدركت أن ما يخبرنى به لا يتعلق فقط بما
قامت به ليبيا للحصول على سلاح نووى ولكن بما يدور فى السوق السوداء للتكنولوجيا
والمواد النووية التى أدركت أنها موجودة بالفعل.
ولقد شمل حديث معتوق
إشارات إلى العديد من الدول فى أفريقيا وآسيا وأوروبا، بعضها يقوم بتقديم المعلومات
والبعض الآخر بالمواد، وكلها تتجسس على بعضها البعض».
وحسب ما يخبر البرادعى
قارئه فى الفصل المعنون «ليبيا» فإن مثار القلق والذهول والغضب لدى البرادعى ليس
بالضرورة المعلومات التى حجبت قسرا عن علم الجهة الأولى بالأخطار، وهى الوكالة
الدولية للطاقة الذرية، حول برنامج تسلح نووى محتمل بقدر ما كان قدرة خان على تسريب
الأسرار النووية لزبائن عبر أرجاء العالم، كل على قدر ما يدفع.
ويقول: «لم
يكن أحد يعلم على وجه الدقة عدد الأشخاص الذين نقل لهم عبدالقادر خان ما لديه من
معلومات ولا كيف قاموا بتطويرها وفى الوقت نفسه لم يكن هناك الكثيرون فى ليبيا من
يعلم المبالغ المالية التى حصل عليها خان نظير الخدمات التى قدمها لليبيا».
وبالتالى فإن السؤال الملح على أذهاننا جميعا كان يدور حول الدول أو ربما
حتى الجهات الأخرى التى استطاعت أن تحصل على هذه المعلومات من خلال الشبكة
المتعاملة مع عبدالقادر خان ومن خلال توفير الموارد المالية اللازمة لكى تدفع نظير
هذه الخدمات».
المفاوضات السرية
بين ليبيا
والغرب، خصوصا الولايات المتحدة الأمريكية، دارت مفاوضات سرية حول تخلى طرابلس عن
برنامجها النووى الذى كان مازال فى طور الإعداد لصالح واشنطن على أن تساعد الأخيرة
نظام القذافى فى إنهاء العزلة والعقوبات المفروضة على بلاده لسنوات طويلة، هكذا
أخبر معتوق البرادعى، وأضاف، حسبما يذكر الأخير، أن ليبيا أرادت أن تخبر الوكالة
الدولية للطاقة الذرية ولكن الولايات المتحدة الأمريكية رفضت ذلك.
«ولم أعلق
بشىء على تلك الملاحظة الأخيرة على الرغم من أننى عدلت من وضع جلوسى قليلا»، حسبما
يتذكر البرادعى.
ولم يحصل البرادعى من واشنطن ولندن سوى على كلمات اعتذار
باهتة وحجج تتعلق بالحرص على ألا تفشل المفاوضات قبل الوصل لاتفاق نهائى وهى
الاعتذارات والحجج التى لم تكن لتقنع مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية الذى كانت
خشيته كبيرة من عملاء البازار لم يكونوا بالضرورة يقتصرون على ليبيا.
«وفى
الوقت نفسه فإننى كنت أفكر فى مسألة التفتيش التى لم تكن تتيح للوكالة الدولية
للطاقة الذرية المزيد من المعلومات حول ما كان يحدث بوصف أن ليبيا هى عضو فى
اتفاقية حظر انتشار الأسلحة النووية..
وقررت أن أتخذ موقفا إيجابيا إزاء كل
ما يجرى فاصطحبت فريقا من خبراء الوكالة الدولية للطاقة الذرية وتوجهنا إلى طرابلس
لزيارة استغرقت الأيام القليلة التى تفصل بين الكريسماس ورأس السنة» يتذكر
البرادعى، مضيفا: «وفى تصريحات صحفية حول ما رأيت فى ليبيا وصفت حال البرنامج
النووى لطرابلس بأنه فى أولى مراحله».
لقاء
القذافى
ثم جاءت الدعوة للبرادعى للقاء القذافى فى ثكنة العزيزية
العسكرية بالقرب من طرابلس. «وانتظرت لقاء القذافى فى غرفة باردة وكنت أتمنى فى هذه
اللحظات أن أرتدى معطفى.. وتم اصطحابى إلى غرفة جيدة التدفئة بها القليل من الأثاث
ومكتب كبير ومكتبة واسعة بها مجموعة قليلة من الكتب العربية المتناثرة على
رفوفها.
وخلف هذا المكتب كان العقيد القذافى يجلس مرتديا جلبابا ليبيا
تقليديا»، حسبما يروى البرادعى.
ثم يضيف: «تحدث القذافى بصورة ألطف مما توقعت
وجاء حديثه به قدر من الود وأيضا قدر من التحفظ».
وحسب رواية البرادعى فإن
القذافى أبدى اندهاشه من كراهية الحكومة المصرية للبرادعى، مشيرا لمحاولة من النظام
المصرى إثناء ليبيا عن التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
ثم سأل
القذافى البرادعى عما إذا كان ناصريا، «فأجبته بالنفى وهى الإجابة التى ربما خيبت
آماله لأنه كان ينظر لناصر على أنه النموذج الأعلى».
ثم تحدث القذافى عن
قراره إنهاء برنامج التسلح النووى ورغبته فى إعطاء ليبيا المكانة التى تستحقها
وحماسه لتحقيق نقلة حقيقية فى حياة الليبين.
ويقول البرادعى «والحقيقة أن
القذافى تحدث بحماس خلال هذا اللقاء عن رغبته فى تطوير ليبيا وتحدث عن رغبته فى
تحسين البنية التحتية وبناء المزيد من الطرق وكذلك عن رغبته فى أن يحصل الطلاب
الليبين على منح دراسية فى الجامعات الغربية وان تحقق ليبيا تقدما فى مجال العلوم
والتكنولوجيا». ويضيف: «وسألنى القذافى عما إذا كنت أستطيع أن أثير هذه الأمور مع
جورج بوش وتونى بلير لأحصل على دعمهما لأفكاره بالنسبة لمستقبل
ليبيا».
التفكيك
ثم جاءت مرحلة عمل الوكالة
الدولية للطاقة الذرية ومفتشيها لتفكيك ما كانت ليبيا قد حققته بالفعل من برنامج
التسلح النووى واستمرار متابعة هذا الملف، ولكن التدخلات الأمريكية والبريطانية لم
تتوقف بل وصلت إلى حد السعى لإرسال خبراء من واشنطن ولندن ليقوموا هم بعملية تفكيك
البرنامج وهو العمل الذى من المفترض أن تقوم به الوكالة الدولية للطاقة
الذرية.
ويقول البرادعى: «كنت سئمت من تلك الألاعيب وقررت أننى لن أبقى
صامتا وسأتحدث فى الأمر علانية إذا ما أصرت بريطانيا والولايات المتحدة على المضى
قدما فى عرقلة عمل الهيئات الدولية» مشيرا إلى أنه نقل تهديدا صريحا إلى واشنطن
ولندن حول اعتزامه إخطار مجلس محافظى الوكالة بصورة علنية بأن بريطانيا والولايات
المتحدة الأمريكية تعوقان قيامه بمسئولياته القانونية.
فاتصل بالبرادعى
كولين باول وزير الخارجية الأمريكى ليخبره أنه سيرسل إليه مبعوثا للنقاش معه فى
رغبة أمريكا وبريطانيا فى الاشتراك فى عملية تفكيك البرنامج النووى الليبى «وقال لى
باول: ينبغى علينا أن نحترم ما لديك من قدرات.. وبالطبع نحن أيضا لدينا
قدراتنا».
وبعد تسوية الخلافات خلال لقاء جمع البرادعى والمتشدد الأمريكى
جون بولتون فى لقاء تحسب إزاءه البرادعى لما عرف عن بولتون من رفض لآليات عمل
الدبلوماسية متعددة الأطراف، استمر عمل مفتشى الوكالة فى ليبيا فى أجواء يقول
البرادعى إنها مثلت «تغييرا إيجابيا بالمقارنة بالتجارب التى مررنا بها فى العراق
وكوريا الشمالية وإيران» بالنظر إلى التعاون الكامل من قبل الليبين.
مصر ــ ليبيا
وخلال متابعته لتفكيك برنامج التسلح النووى
الليبى كان البرادعى شاهدا على التوتر فى العلاقات المصرية الليبية جراء غضب
القاهرة من أن طرابلس قد أخبرت الرئيس المصرى حسنى مبارك نفسه بأنها ليس لديها أى
أسلحة نووية وهو ما دفع الأخير للحديث علنا عن هذا الأمر، مما أثار غضب مبارك عندما
تم الإعلان عن البرنامج النووى الليبى وتفكيكه وإرسال معداته إلى الولايات المتحدة
الأمريكية حيث قامت وسائل الإعلام الغربية بتصويرها ــ فى واقعة أثارت حفيظة
الليبين أنفسهم ودفعتهم لمطالبة البرادعى بالتدخل لدى الرئيس الأمريكى جورج بوش
لاتخاذ قرار بوقف تلك الحملة الإعلامية.
«من جانبهم كان لدى المسئولين
الليبين الكثير من النقد حول أداء النظام الرسمى المصرى، خصوصا فيما أشاروا إليه من
«تقدم مبارك فى العمر بدرجة لم يعد من الممكن معها أن يقدم الكثير سواء على الصعيد
الداخلى لمصر أو للعالم العربى». وعلق أحدهم قائلا: أنت تعلم أهمية مصر من حيث
قيادة العالم العربى، فإذا توقفت القيادة المصرية فإن العالم العربى لا يتحرك
كثيرا، أما إذا تحركت مصر للأمام فإن العالم العربى سيحذو نفس الحذو»، يقول
البرادعى.
سيف الإسلام ضيفًا على
البرادعى
بمبادرة من شكرى غانم، رئيس وزراء ليبيا قبل البرادعى
استضافة سيف الإسلام القذافى بوصفه ثانى أبناء العقيد القذافى، والمسئول عن التوصل
للاتفاقية بين ليبيا وأمريكا وبريطانيا حول برنامج ليبيا لأسلحة الدمار
الشامل.
ويقول البرادعى: «وعندما وصلا إلى منزلى قام غانم بتقديم سيف
الإسلام ثم انصرف، وكان واضحا أن سيف الإسلام كان يسعى للحصول على النصيحة حول جملة
من القضايا، وبدأ بطرح أسئلة حول صورة ليبيا فى الولايات المتحدة الأمريكية وفى
الغرب عموما».
الإرهابيون والسلاح
النووى
«لقد مثل الكشف عن الشبكة السرية لعبدالقدير خان ثالث تطور
فيما يتعلق بحال الوضع النووى حول العالم، ولقد كان التطور الأولى هو خرق دول أعضاء
فى اتفاقية حظر الانتشار النووى لالتزاماتها المقررة حسب الاتفاقية، بسعيها سرا
لتطوير أسلحة نووية، أما الثانى فكان بقيام الإرهابيين بتفجيرات الحادى عشر من
سبتمبر وهو ما جعل الكثيرين يتوقفون أمام هذا الأمر ويفكرون أن من لديه القدرة على
القيام بمثل هذا العمل المنظم يمكن له أيضا أن يضع يديه على قنبلة تقليدية بها مواد
مشعة أو حتى مواد نووية ــ وهذه القنبلة وإن لم تكن قنبلة نووية إلا أن لها قدرة
تدميرية وآثارا جانبية لا يستهان بها.
ولقد زاد القلق من سيناريو وضع
الإرهابيين أيديهم على مواد نووية عندما تم الكشف عن دلائل تفيد بمحاولة القاعدة
الحصول على أسلحة دمار شامل»، حسبما يقول البرادعى فى فصل يخصصه للبازار النووى
لعبدالقدير خان.
ويقول البرادعى: «وإن الكابوس الذى يواجهنى هو أن خان الذى
يقدم التكنولوجيا والمعلومات بل المواد النووية لمن يدفع، ربما قدم هذه الخدمات
لبعض المجموعات المتطرفة فى شمال أفغانستان ــ وهذا الأمر ليس بمجرد السيناريو
الأسود غير وارد الحدوث لأن التطور الذى بلغه أداء بعض هذه المجموعات يشير إلى أنه
يمكن أن تكون قد حصلت على خدمات خان، أو بعض منها».
ويضيف «تمثلت ردة فعل
المجتمع الدولى على هذا الأمر فى اتخاذ سلسلة متصاعدة من الإجراءات المتعلقة بكيفية
حماية الدول لمنشآتها النووية وللمواد المشعة التى بحوزتها. وفى خلال شهور ارتفعت
ميزانية الوكالة الدولية للطاقة الذرية المخصصة لأغراض الأمان النووى من مليون
دولار إلى 30 مليون دولار»، وذلك بالرغم مما يشير إليه من خلاف دولى، خاصة بين
الشمال والجنوب، حول استراتيجيات ضمان تحقيق الأمان النووى.
عبدالقدير خان
«ولكن السؤال هو: ما الذى يدفع شخصا مثل
عبدالقدير خان ليقوم بما قام به، والإجابة تأتى مما قاله خان نفسه عن ذكريات طفولته
فى الهند حيث ذكر أنه شاهد مذبحة للمسلمين على أيدى الغالبية الهندوسية، وبعد فترة
ليست بالطويلة غادر خان الهند مهاجرا مع أسرته إلى باكستان حيث استقر هناك منذ عام
1947، عندما تم تقسيم الهند إلى الهند وباكستان. وبعد نحو عقدين وعندما كان خان
يدرس فى بلجيكا للحصول على درجة الدكتوراة وقعت باكستان فى قبضة حرب طاحنة مع الهند
تعرض خلالها الجيش الباكستانى لهزيمة ساحقة تم معها اقتطاع جزء من شرق باكستان
لتصبح بنجلادش. وفى عام 1971 عندما قامت الهند بأولى تفجيراتها النووية كان خان
يعمل لدى إحدى الشركات العاملة فى مجال تخصيب اليورانيوم وهى شركة تجمع مساهمين من
بريطانيا وألمانيا الغربية وهولندا وتقوم بالأساس بإنتاج أنواع متطورة من أجهزة
الطرد المستخدمة لتخصيب اليورانيوم، وهى الشركة التى سرعان ما أصبحت لاعبا مهما فى
سوق الوقود النووى»، هكذا يكتب البرادعى فى كتابه «زمن الخداع» عن العالم النووى
الباكستانى الذى أثارت أنشطته قلقا دوليا واسعا كونه حول التكنولوجيا والمعدات
النووية إلى سلع يبيعها لمن هو مستعد لأن يدفع الثمن المطلوب.
ثم يضيف فى
الفصل ذاته: «ولا يمكن لأحد أن يحكم على وجه التحديد من توالى فصول هذه القصة عما
إذا كان الدافع وراء تصرفات خان مرتبطا بالانتماءات الوطنية أو الرغبة فى دعم
المسلمين الذين رآهم يتعرضون للظلم أو بمجرد الطموحات الشخصية، لكن الأكيد أنه قام
بما قام به لسبب أو لآخر، ولم تتمكن الوكالة الدولية للطاقة الذرية أبدا من استجواب
خان حتى تستطيع ان تكوّن تصورًا وراء أهدافه.
لقد عاد خان إلى باكستان وسخرت
له الموارد والإمكانات اللازمة التى استطاع على أساسها أن يحقق نقلة كبرى فى قدرات
باكستان النووية.
ولقد لجأ خان فى مهمته هذه لاستخدام معلومات وتكنولوجيا
استحوذ عليها بطريقة غير قانونية، كما استخدم خان أيضا الموارد التى أتاحتها السوق
النووية السوداء والتى بدأت فى التوسع منذ الثمانينيات ــ وإلى جانب تطوير القدرات
النووية الباكستانية فإن خان استطاع أن يحقق لنفسه ثروة تقدر بـ400 مليون دولار.
واستمر خان فى عمله هذا لمدة سنوات وعندما تم كشف ما يقوم به فإن الشبكة التى كونها
كانت قد توسعت وتوغلت بشكل كبير على المستوى الدولى».
ثم يتحدث المدير
السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية عن محاولة تعقب أثر أنشطة خان والأشخاص
والأطراف والشركات والبلدان المتورطة فيها من خلفيات وانتماءات
مختلفة.
لننقذ أنفسنا
ويكتب البرادعى «فى 12
فبراير 2004 نشرت مقالا فى النيويورك تايمز تحت عنوان: «لننقذ أنفسنا من الدمار»
أشرت فيه إلى شبكة خان لنشر المواد والتكنولوجيا النووية، مؤكدا أن الأسواق تنفتح
أكثر فأكثر أمام هذه الشبكة. وفى المقال نفسه اقترحت مجموعة من الإجراءات لمواجهة
الانتشار النووى من بينها تكثيف الرقابة على تصدير المواد والمعدات المشتبه فى
استخدامها لأغراض نووية، وتوسيع دائرة انضمام الدول للبروتوكول الإضافى لمعاهدة حظر
انتشار الأسلحة النووية الذى يمنح الوكالة الدولية حقا أوسع فى القيام بأعمال
التفتيش وتقصى الحقائق ومنع الانسحاب من معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية والتحرك
نحو التوقيع على معاهدة كان قد تم اقتراحها فى إطار الجمعية العامة للأمم المتحدة
فى عام 1993 لحظر تطوير المواد النووية إلى الدرجة التى يمكن معها استخدامها فى
تصنيع أسلحة نووية، وكذلك فرض المزيد من الضمانات على تحرك المواد النووية بالإضافة
إلى وضع خارطة طريق لتخلى الدول النووية عن أسلحتها النووية».
وحسبما يضيف
البرادعى فى «زمن الخداع» فإن الكثير من الأفكار الواردة فى هذا المقال تم تبنيها
من قبل جورج دبليو بوش فى خطاب ألقاه لاحقا حول العمل من أجل اقتراح حزمة من
الإجراءات المتعلقة بمجابهة انتشار الأسلحة النووية.
ويقول إنه «فى المجمل
فإن مقترحات بوش هدفت لسد الكثير من الثغرات التى استطاعت من خلالها شبكة خان
الانهماك فى عمل سرى موسع لنشر الأسلحة النووية بصورة غير قانونية وغير خاضعة
للرقابة والمتابعة الدولية».
ويلفت البرادعى إلى تبنى مجلس الأمن لاحقا
القرار رقم 1540 الذى يطالب من الدول التعامل بحسم مع الأفراد الذين يسعون بأى
طريقة لنشر أسلحة الدمار الشامل، وإلى عمل الأمريكيين بعد هذا الخطاب لمدة عامين
لإيجاد الدعم لفكرتها الخاصة بإنشاء جهة خاصة للمتابعة والتحقق «وهى الفكرة التى لم
تكن تخلو من وجاهة من حيث المبدأ وإن كان الأمر يتعلق بطرق تطبيقها، وبالفعل تم
تشكيل هذه الهيئة ولكن بقاءها كان قصيرا بسبب الخلافات المتوقعة حول العدالة التى
تتوخاها، أو غياب هذه العدالة، فيما يتعلق بالدول الغنية فى الشمال والدول الفقيرة
فى الجنوب».
الدروس الثلاثة
وبحسب ما يخلص
إليه البرادعى فى الفصل المخصص لقصة عبدالقدير خان فإن هناك ثلاثة دروس يجب
الاعتبار بها من هذه القصة.
الدرس الأول، يقول البرادعى إنه «يتعلق بالدور
الذى لعبته إسرائيل فى الشرق الأوسط والهند فى جنوب آسيا وهو أنه عندما تسعى دولة
ما فى منطقة ما للحصول على السلاح النووى فإن ذلك يستتبعه سعى دول أخرى فى نفس
المنطقة لامتلاك السلاح النووى».
أما الدرس الثانى الذى يشير إليه فهو أن
«محاولة مجابهة انتشار الأسلحة النووية من خلال فرض المزيد من الأحكام على نقل
الخبرة النووية هو أمر مهم ولكنه لم يعد كافيا لأن التكنولوجيا النووية أصبحت
بالفعل فى يد الكثيرين».
أما الدرس الثالث حسبما يخلص البرادعى فهو أن
«استمرار حيازة البعض للأسلحة النووية واعتبار هذه الأسلحة سببا من أسباب القوة
والمنعة فإن المزيد من الدول ستستمر فى السعى لأن يكون لها هى أيضا نفس هذه
الأسلحة».
المهذب- عضو ذهبي
- رقم العضوية : 8
عدد المساهمات : 1344
نقاط : 2596
تاريخ التسجيل : 02/05/2011
الموقع : مصر ام الدنيا
مواضيع مماثلة
» احاديث مع ابطال حرب اكتوبر....سرد تفصيلي
» بالفيديو.. إبراهيم المعلم: دار وجريدة الشروق تعرضت لضغوط وتهديدات من أمن الدولة قبل الثورة
» البرادعي في حوار مطول عن تقييمه للفترة الانتقالية (3-1)
» فرقة المسرح الشبابية (ثورة فجر) تقدم عروضها داخل أروقة المترو
» بالفيديو.. إبراهيم المعلم: دار وجريدة الشروق تعرضت لضغوط وتهديدات من أمن الدولة قبل الثورة
» البرادعي في حوار مطول عن تقييمه للفترة الانتقالية (3-1)
» فرقة المسرح الشبابية (ثورة فجر) تقدم عروضها داخل أروقة المترو
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى